الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-05-21

         

                       التبرع بالدم ثقافة إنسانية جامعة

 

بقلم الدكتور – يحي شريفي

تحتفل دول العالم باليوم العالمي للمتبرعين بالدم الموافق ليوم ١٤ حزيران/يونيو، وهذه الفعالية بمثابة مناسبة تزف فيها آيات الشكر والعرفان إلى المتبرعين طوعا بالدم، لقاء دمهم الممنوح هدية لإنقاذ الأرواح، ويرفع فيه مستوى الوعي بضرورة المواظبة على التبرع بالدم، ضمانا لجودة ما يوفر من كمياته ومنتجاته المتبرع بها و مستوى توافرها ومأمونيتها لمن تلزمهم من المرضى. 

إن تجسيد التآخي الإنساني يعبر عنه من خلال الحرص على حياة الإنسان، والتبرع بالدم هو أكثر الصور تعبيرا عن التكاتف المتبادل كحالة دائمة في الجماعات الاجتماعية، و ما يترجمه من إنسانية مستدامة ينعم بها جميع الأفراد، ذلك ما يجعل من ثقافة التبرع بالدم و ترسيخها في الوعي الجمعي مبادرة تحظى بالدعم و التحفيز من الجهات الرسمية والمنظمات الدولية.

مما يؤكد حرصها على العمل من أجل تعميق الوجه الإنساني في حياة يسودها التعاون والتآخي والتساند، ومن هنا كانت الخطط الهادفة لزيادة الاهتمام بصحة الإنسان و رعايتها من أكثر الدلائل على ارتقاء المجتمعات ومستوى السعادة فيها، هذه الأخيرة تعتبر الهدف الرئيسي لجميع البرامج و الفعاليات النابعة من رؤى تضع الإنسان وكل ما يتعلق به في صدارة الخطط و الآليات التي يتم العمل عليها. 

ولأن الدم مادة حيوية لا يمكن تصنيعها، ولابد أن تنقل من إنسان سليم صحيا لإنسان في أمس الحاجة إليها، فكان التبرع به من أكثر المظاهر التي تتجلى فيها  قيمة التضامن الإنساني في أسمى أبعاده. 

والتبرع بالدم خدمة إنسانية جليلة يقدمها الفرد لإنقاذ حياة الأشخاص الآخرين، فهو الوسيلة الوحيدة لحصول المرضى على ما يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة، حيث يتم سحب كمية من دم المتبرع تقدر ب 450 مل، أي ما يعادل 7٪ من دم الإنسان الطبيعي، تقدم هذه الخدمة  عند وقوع الحوادث وأثناء العمليات الجراحية، أو مضاعفات السيدات الحوامل.

وتوفر عملي التبرع بالدم خدمة استعجالية لتحاقن الدم، وتسد حاجيات المراكز الطبية والمستشفيات والمصحات من مشتقات الدم، خصوصا المصابون بأمراض الدم الوراثية والأورام السرطانية، ومرضى القصور الكلوي ومرضى فقر الدم، لأجل ذلك، كانت المساهمة في إنقاذ حياة الإنسان تعبيرا عن الإيمان بترجمة ما يحمله الإنسان من قيم للآخر، وليس هناك أجمل من رؤية توافد المواطنين على مراكز حقن الدم والتبرع به، حيث تتكرر هذه النماذج كمؤشر عن ثقافة عالمية انسانية جامعة. 

من أجمل ما كتب في إحدى الشعارات التي تدعو إلى التبرع « ليس علينا الحصول على شهادة في الطب لإنقاذ حياة شخص، بل مجرد درجة قليلة من الإنسانية كفيلة بذلك، تبرع بالدم للحفاظ على حياة شخص آخر» .

هكذا يصبح الدم مثل الذهب الأحمر في زمن إنقاذ الأرواح، و لا شك في أن هذه الفضيلة محبذة لدى الأديان قاطبة، ففي تعاليم الإسلام  تقديم يد العون وتفريج الكربات، والتبرع بالدم يقع في منزلة الصدقة، فهو يساهم في تفريج كربة مريض، و قد تنقذ حياة إنسان من الموت، و قد قرر القرآن الكريم في معرض بيان قيمة النفس الإنسان "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" الآية (32) سورة المائدة .

فإذا كان للصدقة بالمال منزلتها في الدين، و ثوابها عند الله، حتى إن الله تعالى يتقبلها بيمينه ويضاعفها أضعافا كثيرة إلى سبعمائة ضعف، إلى ما شاء الله، فإن الصدقة بالدم أعلى منزلة وأعظم أجرا، لأنه سبب الحياة، وهو جزء من الإنسان، والإنسان أغلى من المال، و كأن المتبرع بالدم يجود بجزء من كيانه المادي لأخيه حبا و إيثارا. 

وختاما نقول إن التبرع بالدم لمسة إنسانية وخلق كريم، له وقع جميل وردة فعل ايجابية، وعلى المجتمع بكل شرائحه أن يساهم في صناعة الوعي والإدراك بهذه الثقافة الجامعة التي تعزز أواصر التآخي والترابط بين الإنسان و أخيه.

إن التبرع بالدم هو انتصار جميل لإنسانيتنا، و لإنسانية الآخر أيضا، فنقل جزء من ذاتنا إلى ذوات أخرى، هو مظهر من مظاهر وعينا بوجودنا ورسالتنا على هذه الأرض، ولأن المشاعر ليست منافسة، بل هي مشاطرة، فإن ذلك ما نجسده عندما نجود من عندنا بأكسير الحياة، وكلنا فرح وسرور و رضا بجميل صنيعنا.