
حلف الفضول… بلغة معاصرة
أبو انس إسماعيل محمد
جميع الطلبة والتلاميذ درسوا ويعرفون شيئا عن“حلف الفضول“، وعموم رواد المساجد سمعوا عن“حلف الفضول“، وأغلب النخب في أوطاننا مـــر عليهم موضوع واحد على الأقل حول“حلف الفضول“، فما هي قصة هذا الحلف،ودلالة تسميته؟ما هي القيم التي شملها الحلف؟وكيف كان تقييم مشاركة الني صلى الله عليه وسلم بعد ما بعث ونزل عليه الوحي؟كيف نفهم أو نطبق هذا الحلف في عصرنا الحاضر؟
حلف الفضول معاهدة أو واقعة حدثت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي اتفاق وقع في مكة، المركز التجاري الأهم في ذلك عصر، وقع بين عشائر فاعلة في المجتمع،وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لِمَا يحمله الاتفاق من قيم عُليا وأخلاق نبيلة،وتحقيق المساواة،ونبذ العنف والظلم،وهي من مبادئ الدولة الحديثة والديمقراطية في عصرنا.
جاء في الكتب حيثيات القصة: حِلْفُ الْفُضُول تَدَاعَت إِلَيه قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْش_ تقريبا بين عامي 590-595 ميلادي_فَاِجْتَمَعُوا فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ لِـسِـنِّــهِ وَشَرَفِهِ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَلَّا يَجِدُوا بِمَكَّة مَظْلُومًا مِنْ أهْلِهَا وَغَيْرِهمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلّا قَامُوا مَعَهُ …حَتَّى تُرَدّ عَلَيْهِ مَظْلَمَتُهُ.وَشَهِدَ هَذَا الْحِلْفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْد أَنْ أكْرَمَهُ اللهُ بِالرِّسَالَةِ:(لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أَحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلاَمِ لَأَجَبْتُ)؛“ويورد كتاب السيرة بأن حلف الفضول ظل يعمل به لما بعد ظهور الإسلام لعدة سنوات“.
وسبب هذا الحلف:أن رَجُلًا قَدِمَ مَكَّةَ بِبِضاعَةٍ،ووجد ظلما من بعض الوُجَـهَاء..فشرع يطالب بحقه وينادي_نثرا وشعرا_في مختلف أطراف مكة..فسمع بالأمر بعض الأشراف وتنادوا بينهم .. فَعَقَدُوا الْحِلْفَ وردّوا حق المظلوم..
ومعلوم أن مدينة “مكة” من المدن المهمة في الجزيرة العربية والشام والمنطقة ككل،فهي تعج بالمقيمين والزائرين من الحجيج والتجار ورجال المال والوافدين لمصالح متنوعة،من مختلف البلدان،وهي ومكة مدينة دينية وتجارية(اقتصادية)،وهي مجالات حيوية تعتمد على مبدأ“الأمان“كما هو الشأن في كل بلاد العالم إلى اليوم.
سموا هذه الوثيقة بــ“حلف الفضول“؛لأن من قام بها فيهم من يحمل اسم الفضل،كالفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة. وهناك رواية بأنه سُمي حلف الفضول؛لأنه يـرد الفضل لأهله، وهي الأشهر في الكتب.
ورغم ما يعتز به العرب من كرم وشهامة ومروءة،إلا أن الحياة في الجاهلية كان فيها الظلم،كقطع الطرقات وأكل أموال الناس بالباطل وإشاعة الفاحشة…ونزعت الخير كانت تطغى أحيانا وتظهر في سلوكات ايجابية خلدتها أشعار العرب ومروياتهم…وحلف الفضول جاء في هذا السياق،فهو يشتمل على جملة من المقاصد والقيم منها:
- حماية وتطهير المدينة المقدسة“مكة“،من أجل تيسير العبادة للناس، وتسهيل المبادلات التجارية.
- رفض الظلم والعدوان ومقاومته بالمتاح عرفا.
- الوقوف مع المظلوم ونصرته وتدعيمه حتى يسترد حقوقه المهضومة.
- قوة التواصل، والانفتاح على آخرين ومعرفة أحوالهم،والتعايش معهم.
- المشاركة في المبادرات الخيرة والنافعة للناس
- حماية القيم الإنسانية العادلة كالعدل والتضامن والنصرة وحرية العبادة.
وهي قيم وأخلاق أكد عليها الإسلام لاحقا_بعد النبوة ونزول الوحي _قال تعالى🙁يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)المائدة8.
لهذا اعتز النبي صلى الله عليه وسلم بالمشاركة في هذا الحلف وشجّع على مثل ذلك،بل اعتبر أن رسالة الإسلام إنما جاء لإتمام هذه المكارم🙁إنـما بُعثـت لأتمم صالح الأخلاق).
وفكرة حلف الفضول مازالت حية من حيث المقاصد والأهداف في كل زمان و مكان،خاصة في زماننا هذا، حيث الظلم طغى ومس شعوبا وأمما(فالاحتلال ظلم واضطهاد الناس ظلم.. وسلب الحرية ظلم،وكل سلب للحق اعتداء على كرامة الإنسان وحياته. وهذا هو المعنى العميق لحلف الفضول).
ويمكن إدراج مواقف متنوعة معاصرة من غربيين في هذا السياق:
- الحملة التضامنية من طرف المجتمع المدني العالمي التي انطلقت من إيطاليا في يونيو 2001 لإرسال وفود شعبية دولية إلى الأراضي الفلسطينية،تحت شعار:”حملة الحماية الشعبية للفلسطينيين“.
- ذهاب الشابة الأمريكية“راتشيل كوري“سنة 2003 لنصرة الحق والعدل الفلسطيني حيث قتلت هناك،ومثل ذلك إصابة الشاب الأمريكي“بريان أفيري“(23 عاما)في حادثة أخرى سنة 2003على يد الاحتلال حيث جرح وشوه وجهه بالكامل.
- وذهاب المصور الصحفي البريطاني الشاب“توم هورندال” لتصوير الحقائق في فلسطين،وفضح الظلم،فأصيب بطلق ناري سنة 2003 نتج عنه تلف مخي وتوفي بسببه.
إن ثقافة“حلف الفضول“فرصة للسلم العالمي،بترسيخ قيم التسامح والسلام بين مختلف الديانات،واحترام الرسائل السماوية وجميع الأنبياء،ونبذ كل أشكال التطرف والعنف، وإعطاء الحق للشعوب في تقرير مصيرها واختيار منْ يُــسَــيِّــرها.
