الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-02-24

 

التمييز العنصري معضلة إنسانية مزمنة

 

بقلم الدكتور - يحي شريفي 

 

يعرف التمييز العنصري بأنه أي عمل أو ممارسة أو معتقد يعكس نظرة عنصرية، عن طريق تقسيم البشر إلى مجموعات وتفريقها على أساس السمات الجسدية الموروثة أو السمات الشخصية أو السمات الثقافية والسلوكية، ولم ينشأ التمييز العنصري كظاهرة دفعة واحدة، بل مر بمراحل عديدة واتخذ أشكالا مختلفة، حتى غدت هذه الظاهرة خطرا يهدد العلاقات الإنسانية والسلم والصداقة بين الشعوب، ناهيك عن كونها تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان. 

 

وعلى هذا الأساس، كان موضوع التمييز العنصري دائما محط نقاش وجدل طيلة السنوات التي أعقبت تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وذلك قبل التوصل إلى اتفاقية دولية بهذا الخصوص، وفي نظرنا، فإن التفرقة العنصرية لا تنبع من لون البشرة أو اللسان أو الديانة، وإنما تنبع من العقل البشري، وبالتالي فإن الحل للتمييز العنصري و النفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواة يتطلب معالجة الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية، ولا تزال بعض النظريات تروج لتفوق بعض الأعراق و الثقافات على غيرها، وهي نظريات روجت ومورست أكثر في عهد الاستعمار، وما زالت تطرح بشكل أو بآخر حتى اليوم.

 

وما بين العنصرية و التمييز العنصري أكثر من قاسم مشترك، بل إن التماهي بين المفهومين يجعلهما على صعيد واحد، فالعنصرية ممارسة وتطبيق أوسع نطاقا من التمييز العنصري، إذ أن العنصرية هي الاعتقاد بأن مجموعة معينة هم أرفع مستوى من مجموعة أخرى، ويمكن التعبير عنها بطريقة علنية على شكل نكات عنصرية و افتراء أو جرائم كراهية، ويمكن أن تكون متجذرة أكثر في المواقف والقيم والمعتقدات النمطية، وفي بعض الأحيان لايدرك الناس بأن لديهم هذه المعتقدات، وبدلا من ذلك فهي افتراضات تطورت عبر الزمن، وأصبحت جزءا من الأنظمة والمؤسسات، وارتبطت أيضا بنفوذ الطبقة المسيطرة. 

 

أما التمييز العنصري فهو التعبير غير القانوني للعنصرية، فهو يتضمن أي عمل، سواء كان بقصد أو بغير قصد، والذي ينتج عنه استبعاد أشخاص على أساس العنصر وفرض أعباء عليهم دون غيرهم، يضاف إلى ذلك كل تجريح للشخص و إهماله و سد الطرق أمامه، واشعاره بعدم الرغبة في وجوده، مما يسبب له الألم النفسي، و على هذا الأساس يمكن تقسيم التمييز العنصري إلى نوعين: 

 

النوع الأول: تمييز مباشر: ويتمثل في التعامل مع الشخص بطريقة دونية، وبتفضيل شخص آخر عليه بسبب عرقه أو لونه أو.... الخ .

النوع الثاني: تمييز غير مباشر: وتكون عند فرض قوانين وشروط دون أسباب، وتكون هذه الشروط في صالح فئة معينة على حساب فئة أخرى. 

 

وإن اجتمعت الملل على مناهضة العنصرية واعتبارها معضلة إنسانية تعمق اللامساواة، لأنها سبب مباشر لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية، وعدم الاعتراف بالتنوع الثقافي وتعددية الأعراق واللغات، وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة في الحقوق، والتحرر من التمييز، و يضمن ميثاق الأمم المتحدة في بنوده الأساسية  كرامة وقيمة كل شخص في العالم، وينطبق ذلك على مجالات العمل والسكن والمرافق والخدمات والعقود وعضوية النقابات والأحزاب والجمعيات الحرفية والمهنية.

 

ورغم إرساء معيار عدم التمييز كمبدأ أساسي من المبادئ التي يستند إليها القانون الدولي، فإن استمرار العنصرية و التمييز العنصري، يدل بوضوح على ضرورة السعي إلى إيجاد سبل جديدة لمعالجة هذه المعضلة بمزيد من العزم، وقد ساعد المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري، المنعقد في ديربان بجنوب إفريقيا سبتمبر 2001، المجتمع الدولي على أن يصب تركيزه على التفكير في النواحي التي لم تتخذ فيها إجراءات كافية حتى الآن، وعلى المجالات التي يمكن فيها تفعيل المزيد من الجهود، من أجل إيجاد مجتمعات تخلو من التمييز العنصري. 

 

وتقدم المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان عددا من التوصيات للدول لمساعدتها على إنهاء آفة العنصرية  وتعزيز المساواة، وعلى رأس ذلك الانضمام إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وتنفيذها بالكامل، ويلقي تقرير المفوضيّة السامية باللائمة على الحواجز التي تحول دون التغلب على العنصرية، لا سيما افتقار الدول للإرادة السياسية وضعف التشريعات وعدم وجود استراتيجيات ملموسة. 

 

وفي هذا السياق فإن الكراهية الموجه ضد المهاجرين و اللاجئين و ملتمسي اللجوء، يشكل أحد المصادر الرئيسية للعنصرية، وأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب ضد هذه الجماعات تحدث على نطاق واسع في سياق الممارسات القائمة على التمييز، وهي ممارسات تتنافى مع مبادئ المساواة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز من أي نوع .

 

وأخيرا فإنه في زمن أسهمت فيه العولمة و التكنولوجيا إسهاما كبيرا في التقريب بين الشعوب والثقافات، نزداد قناعة و إيمانا بأن التنوع الثقافي  هو أحد الأصول لتقدم البشرية عامة، وأنه ينبغي تقديره حق قدره والتمتع به وقبوله قبولا حقيقيا، وتبنيه كسمة دائمة تثري الثقافات على اختلافاتها، ذلك أن تجسيد فكرة الأسرة العالمية القائمة على المساواة والكرامة والتضامن هو أنجع أسلوب لوقف المد العنصري .