الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2020-12-18

فعاليات علمية ومؤتمرات وندوات:

 بيان”مـكـة”وَ بيان”جـنيف”

       التدافع بين الناس مازال مستمرا، وسيبقى مادام الإنسان يفكر و يبدع و ينجز،وعِمارة الأرض وبناء الحضارة إنما تكون بالتعايش و التعاون و السلام بين الشعوب،فالصدام بين الحضارات ينتج الشلل،والحرب بين الدول تنتج الدمار،ولكل اتجاه أو خيار منظروه و دعاته و مناصروه،فالأمر يدور بين”منتج”و”مستهلك”.

       و قد انبرى ثلة من العلماء و المفكرين و الفلاسفة و الساسة للدفاع عن قيم السلم والتعايش والتعاون،و وضع هندســـــة لحمايتها، و خـــطــــطا لترسيخها، و برامجا لتنفيـــذها و مبادرات لترقيتـــها. 

         ولعل من ابرز الفعاليات التي جاءت في هذا الاتجاه في الفترة الأخيرة : ”وثيقة مكة المكرمة”التي صدرت بتاريخ:(30 مايو 2019م)،على هامش المؤتمر الدولي حول[قيم الوسطية والاعتدال]الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في المملكة العربية السعودية،حيث مثلت الوثيقة دستورًا تاريخيًا لتحقيق السلام وحفظ قيم الوسطية والاعتدال في البلدان الإسلامية؛ و” وثيقة أو إعلان جنيف ” التي صدرت بتاريخ:(19فبراير2020م)،على هامش المؤتمر الدولي لمبادرات[تحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وتعزيز الحريات الدينية وقيم التسامح ومحاربة الكراهية]في مقر الأمم المتحدة بجنيف، الذي دعا إليه الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى.

             وتم إقرار الوثيقتين،فوثيقة “مكة”من طرف 1200 شخصية إسلامية بمكة المكرمة،يمثلون 139 دولة من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية،و وثيقة “جنيف” من طرف كبار المسؤولين الحكوميين والأهليين حول العالم ومن رجال دينين و رجال سياسيين ومفكرين و أكاديميين في مختلف التخصصات  كالتربية وعلم النفس وعلم الاجتماع.

            وتنص وثيقة “مكة” على الخصوص على قضايا مفتاحيه فيما يعانيه العالم الإسلامي و العالم الغربي،كمكافحة الإرهاب والظلم،ورفض انتهاك حقوق وكرامة الإنسان،فالناس ينتمون إلى أصل واحد،مع تأصيل قيم التعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب المختلفة في العالم الإسلامي؛والتأكيد على أن المسلمين جزء من هذا العالم بتفاعله الحضاري،يسعون للتواصل مع مكوناته جميعها لتحقيق صالح البشرية،وأن الاختلاف في العقائد والأديان والمذاهب سُنّة كونية.

          أما وثيقة”جنيف”و في نفس السياق فقد حثت مؤسسات التعليم على إيجاد مناهج دراسية “ذات أنشطة تفاعلية” تُــــرَكِّــــــز على ترسيخ القناعة بحتمية الاختلاف والتنوع والتعدد بين الناس،حيث تُمَثل إثراء للبشرية و تُعزز وحدتهم؛إلى جانب ترسيخ القناعة بأن الصدام الديني والإثني والفكري والحضاري يمثل مخاطرة كبيرة،مع رفض أي فكر يدعو إلى الكراهية والعنصرية تحت أي ذريعة.

      وقد أثارت وثيقة “مكة” مسألة مهمة و هي التأكيد على براءة الأديان والمذاهب من مجازفات او ما يُنتجه معتنقيها،وأن أصل الأديان السماوية واحد وهو الإيمان بالله وحده، ولا يجوز الربط بين الدِّين والممارسات السياسية الخاطئة،مع الحرص على المعرفة الصحيحة بحقيقة الإسلام؛و للأسف  هو انحراف تقع فيه كثير من المنابر السياسية و الإعلامية،مما أنتج ظاهرة الإسلاموفوبيا.

         كما حرصت الوثيقة على التشديد على عدم التدخل في شؤون الدول ونبذت أساليب الهيمنة السياسية بمطامعها الاقتصادية وغيرها؛و التأكيد على ضرورة إيجاد”منتدى عالمي”بمبادرة إسلامية يهتم بشؤون الشباب عامة يعتمد على الحوار الشبابي البنّاء مع الجميع إسلاميًا وعالميًا.

       أما وثيقة”جنيف” فقد أكدت على عدد من “المبادرات” المهمة إلى جانب الحث على إيجاد مناهج دراسية ذات أنشطة تفاعلية،من ذلك إيجاد البرامج الفعالة لتعزيز دور الأسرة في تربية النشء،و بناء الشراكات المتعددة لردم سلبيات الفجوة الدينية والثقافية و الإثنية في دول التنوع التي تُعاني تهديد في موضوع الاندماج،و قيام المؤسسات الدينية والفكرية بالتصدي لأفكار التطرف والعنف والإرهاب،و سنّ التشريعات التي تكفل منع إنتاج و ترويج خطاب الكراهية والعنصرية والتهميش،كما تكفل منع التحريض على التطرف والعنف والإرهاب،وتكفل منع أي معاداة أتباع الأديان والأعراق؛مع دعوة الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات أكثر فعالية لتجريم الإرهاب الإلكتروني و المحتوى المخصص للتحريض على العنف أو الإرهاب.

       حيث ذكّــرت وثيقة إعلان “جنيف” لتحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وتعزيز الحريات الدينية وقيم التسامح ومحاربة الكراهية بخطورة ازدراء الأديان و أنها ممارسة عبثية لها تاريخ طويل!! مع التأكيد على  أهمية الحوار بين أتباع الأديان،واحترام الرأي والتدين في الإطار الأخلاقي.

      وهي محتويات نبّـهت”وثيقة مكة”أن بعضها مستمد من وثيقة المدينة المنورة التي عقدها الرسول محمدصلى الله عليه و سلم قبل أربعة عشر قرنًا على ضوء التنوع الديني والثقافي والعرقي في العالم الإسلامي،

      ولعل عصارة الأمر ما نوهت به “وثيقة جنيف” انه لم ينتج ازدراء الأديان إلا الصدام الحضاري وتصعيد التطرف من الجانبين، والخاسر في ذلك الجميع،مع تهديد أمن الدول والمجتمعات من خلال ردود فعل التطرف العنيف.