الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-01-23

"صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ " الآية (138) سورة البقرة 

 

بقلم الأستاذ - محمد ضياء 

الدين هو الخضوع لسلطان معجز بالإعجاب به والتبتل له، وهو طبيعي في توجه الإنسان إلى شيء أكبر من قدراته يجد فيه القوة والمنعة والحصن، والإنسان في ذلك العصر الحديث قد يتخذ العلم إلها لما له من مقومات القوة والزخرف فيتجه للإلحاد، أو الاستهانة بأمر الدين "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الآية (24) سورة يونس .

 

سلطان العلم والإيمان بالله 

فمن يدع للعلم سلطانا لابد أن يوقن بأن للكون إلها، هو الذين دعاه إلى الأخذ بسلطان العلم" يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " الآية (33) الرحمن، فإن العلم هو السلطان المأذون به من قبل الله سبحانه وتعالي بحثا وتنقيبا " قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ " الآية (101) سورة يونس، حتى إذا تحقق بفرضية العلم ونتائجه المبهرة قدم على ربه متخشعا بالعبادة والوجل منه "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" الآية (28) سورة فاطر، وقديما قال العربي: سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، فالبعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، إذن فالكون كله يدعونا للإيمان بالله الواحد الأحد " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الآية (18) سورة آل عمران . 

 

 

الدين يواجه خطر الإلحاد والتطرف

كل ذلك يدعونا إلى أن نحيي دين الله في نفوسنا ونعلنه بين أبنائنا ومجتمعاتنا، فالإيمان بالله هو العروة الوثقى لمواجهة خطر الإلحاد، وكذلك خطرا آخر هو التطرف والدعوة إلى احتكار الحقيقة الإيمانية وأن الله اختص قوما دون آخرين بالمحبة " وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" الآية (18) سورة المائدة .

وقد يكون الخطر في متبعي الدين نفسه إذ لم يسر الإيمان في قلوبهم، بل اتخذوه تقية ومطية وغرضا دنيويا فاستحال في قلوبهم تشددا وتذمتا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال" إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ أحد إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ" رواه البخاري.

كنتم خير أمة أخرجت للناس 

فينبغي أن نكون أمة وسطية تتلاقى فيها الحضارات وتتسامح الشرائع لأننا خاضعون لسلطان رب العالمين الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ" الآية (143) سورة البقرة .

ولما نملك من منهج فيه سعادة الكون بأجمعه إذا أخذنا بتعاليمه صرنا سادة الأمم بهذه الخيرية" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" الآية (110) سورة آل عمران، وهذه الخيرية تكون من نبع صاف ووحي جمع الشرائع كلها في كتاب واحد خاتم وشامل "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" الآية (48) سورة المائدة .

 

وفي الختام نردد مع الشاعر الفيلسوف الكبير محمد إقبال في قصيدته حديث الروح :

حديث الروح للأرواح يسري... وتدركه القلوب بلا عناء

يشكو لك اللهم قلب لم يعش... إلا لحمد علاك في الأكوان

إذا الإيمان ضاع فلا أمان... ولا دنيا لمن لم يحيي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين... فقد جعل الفناء لها قرينا

وفي التوحيد للهمم اتحاد...ولن تبنوا العلا متفرقينا

ألم يبعث لأمتكم نبي؟... يوحدكم على نهج الوئام

ومصحفكم وقبلتكم جميعا... منار للأخوة والسلام

وفوق الكل رحمن رحيم... إله واحد رب الأنام.