الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2020-08-26

شدّد على ضرورة الالتزام بالقرارات الّتي تصدرها الجهات ذات الاختصاص الصحي والأمني

مؤتمر “فقه الطوارئ” يُحذِّر من فتنة الأصوات الرافضة لعبارات وشعارات الأخوة بين أتباع الأديان

تغطية: عبد الحكيم قماز

دعا المشاركون في ختام المؤتمر العالمي “فقه الطوارئ.. معالم فقه ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد”، “الأئمة والدعاة والمنصات الفكرية والعلمية إلى أداء دورهم في إرشاد النّاس ودعمهم روحيًّا وثقافيًّا بوسائل الاتصال الحديثة، وتبنّي خطاب حضاري إنساني عالمي، وبثّ روح الأمل والتّفاؤل، وإبراز مظاهر التّيسير والرّحمة في أوقات البلاء والمحن، لما ينشأ عن الاستقرار النّفسي من أثر على تعزيز المناعة البدنية.

اختتمت فعاليات المؤتمر العالمي “فقه الطوارئ.. معالم فقه ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد”، الّذي انعقد عبر الاتصال المرئي بدعوة من رابطة العالم الإسلامي وهيئة علماء المسلمين برئاسة معالي الشّيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، ومجلس الإمارات للإفتاء الشرعي برئاسة معالي العلامة عبدالله بن الشّيخ المحفوظ بن بيه، وبمشاركة نخبة متميزة من أصحاب المعالي والفضيلة والسّعادة من علماء الشريعة؛ وخبراء الواقع، من مختلف دول العالم.

وأكّد المشاركون في البيان الختامي على ضرورة تفعيل دور المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية بكفاءة عالية ينشط فيه الفقه الشّرعي والفقهاء لكي يواجهوا الحالات الطارئة والمستجدات المتكاثرة والمتتابعة، في عالم دائب التطوير والتغيير، مع متابعة البحث العلمي في فقه الطوارئ في مختلف مؤسسات ومنابر البحث العلمي من جامعات ومعاهد ومراكز ومجلات متخصصة وغيرها إسهامًا من الفقه الإسلامي المعاصر في حلّ مشاكل المجتمع وتعريفًا بغنى التراث الفكري الإسلامي وبحاجة البشرية إليه في كلّ زمان ومكان.

وشدّدوا على ضرورة العمل بكافة القرارات والأنظمة والاحترازات الّتي تصدرها الجهات ذات الاختصاص الصحي والأمني من أجل مواجهة هذا الوباء، وأنّ هذه القرارات معتبرة وملزمة شرعًا لما فيها من تحقيق للمصالح ودفع للمفاسد الخاصة والعامة، وأنّ من يخالف ذلك ويتساهل فيها فهو آثم شرعًا، ومستحقّ للعقوبة قانونًا.

وأوصى المشاركون بتكوين لجنة لحصر الأحكام والاجتهادات الفقهية القيمة الواردة في جلسات هذا المؤتمر، وإصدار مدونة بها، والتوصية ببثّ تسجيلات جلسات المؤتمر، وطبع بحوثه ومخرجاته ليعمّ النّفع بمضامينها ومناهجها وأدلتها، وتصل إلى المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية والباحثين الشّرعيين والجهات ذات الصلة بالبحث الفقهي.

ودعت التوصيات، جميع المسلمين إلى الاستمرار في أداء واجبهم الإسلامي والإنساني الشّرعي والحضاري في تقديم الدّعم المطلوب من صدقات وزكوات وتبرعات، والعمل على كفاية حاجات المتضرّرين، والتّراحم والتّعاون مع مجتمعاتهم، وإظهار روح الإيثار والتّضامن، وتجسيد أخلاق الإسلام وقيمه في أوقات الأزمات والشّدائد.

وتوجّه المؤتمرون بجزيل الثّناء والشّكر لرابطة العالم الإسلامي ومجلس الإمارات للإفتاء الشّرعي على عقد ورعاية هذا المؤتمر، منوّهين بجهود معالي الشّيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، وجهود معالي العلامة عبدالله بن الشّيخ المحفوظ بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في تقديم الصورة الصحيحة المشرقة لرحمة الإسلام وسماحة شريعته وفي خدمة قيم التّسامح والاعتدال والوحدة الإسلامية والأخوة الإسلامية والإنسانية والتّضامن بين الشّعوب على اختلاف أجناسها وأديانها وثقافتها.

وضمن نتائج المؤتمر العامة، أكّد المشاركون في بيانهم الختامي أنّ من القيم المركزية الّتي أظهرت هذه الأزمة ضرورتها قيمة التضامن بين البشرية لمواجهة المخاطر الّتي لا تفرق بين الشعوب والأجناس والألوان والأوطان، بل تصيب الجميع على تنوّع أعراقهم وتعدّد نحلهم وأديانهم وتفاوت طبقاتهم ومستوياتهم.

وأكّدوا اتّفاق الدّيانات السّماوية وفي مقدّمتها الإسلام، على أنّ الإحسان في أوقات الشّدائد والمحن؛ ينبغي أن يكون مُمتدًا لجميع النّاس بغضّ النّظر عن دياناتهم، وأنّ جميع الخلق مشمولون بواجب التّضامن في استبقاء الحياة الّتي هي في أصلها هبة ربّانية.

ونبَّه المؤتمر على خطورة خطاب الكراهية ومن ذلك أصوات رفض عبارات وشعارات الأخوة بين أتباع الأديان الّتي أسّست لها الشّريعة في عدد من النصوص، وما لذلك الرّفض من خطورة على مواثيق الأخوة الوطنية في بلدان التنوّع الدّيني وما يُفضي إليه هذا الأمر من إثارة الفتن فيها؛ فبين المسلمين واليهود والمسيحيين وغيرهم أُخوة في الإنسانية وأخوة في المواطنة ولا علاقة لها بأخوة الدّين، ومن أدب الإسلام الرّفيع حسن الخطاب وتأليف القلوب، كما نبَّه في هذا السّياق على خطورة اجتزاء النّصوص الشّرعية، ومن ذلك ما يتعلّق منها بفئات معيّنة من أهل الكتاب وتعميمها عليهم جميعًا، بينما قال الله تعالى عنهم {لَيْسُوا سَوَاء}، وأكّد المؤتمر على ما في هذا التّضليل من الكذب على الله ورسوله والإساءة لدين الإسلام والتّحريض عليه.

وذكّر المؤتمرون بالحقيقة القرآنية، الّتي تُقِرّ أنّ حياة نفس واحدة كحياة البشر جميعًا، وخسارتها كخسارتهم جميعًا، منوّهين إلى أنّ التّعاطف الإنساني في الأزمات يُجدّد شعورهم بالانتماء إلى الأسرة الإنسانية، والقرآن الكريم يؤكّد أنّ السّعي في إحياء نفس واحدة إنّما هو سعيٌ لإحياء جميع الأنفس: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ومعتبرين أنّ التّحديات والأخطار المحدقة بالعالم بسبب هذا الوباء تضع الجوانب الأمنية في أولويات شروط القدرة على تجاوز الوضع الراهن ورسم معالم المستقبل، ومن ثمّ يتعيّن رص الصفوف واجتماع الكلمة ومعالجة صور النّزاع والفرقة، والتّأكيد على خطاب التّسامح والعدل والأخوة وتفعيله اجتماعيًا.

وأشاد المؤتمرون، في البيان الختامي، بالقرارات الرّشيدة الّتي اتّخذتها المملكة العربية السعودية في ما يتعلّق بالعمرة والزّيارة والصّلوات في المسجد الحرام والمسجد النّبويّ، والإجراءات الاحترازية بتخصيص الحجّ هذه السنة لحجاج الداخل (30% من السعوديين و70% من المقيمين)، مؤكّدين أنّ تقليص أعداد الحجاج وقاية لهم من خطر تفشي الوباء المطبوع بالاستمرار وعدم الاستقرار، وأنّها إجراءات متوافقة مع أحكام الشّريعة ومقاصدها باعتبار الظرف الطارئ الاستثنائي الّذي أحدثته الجائحة، فهي اجتهادٌ مصلحيٌ صادرٌ من أهله وواقعٌ في محلّه، يقع به فرض الحجّ المطلوب شرعًا ويسقط به الإثم عن الجميع، كُلّ ذلك في سياق ما بذلته المملكة العربية السعودية من جهود فائقة – داخليًا وعالميًا – لمواجهة هذه الجائحة، مُتوخية من إسهامها الدولي في ذلك الهدف الإنساني المجرّد.

كما أشاد البيان الختامي بدور المملكة العربية السعودية الرّائدِ في الإغاثة الدولية المتعلّقةِ بوباء فيروس كورونا المستجد لمكافحة هذه الآفة والتّخفيفِ من آثارها، ممثلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، باذلةً المساعداتِ المالية والطبية والغذائية والمشورة التوعوية المتخصّصة، والّتي لم تفرّق في وجهتها والمستفيدين منها بين جنس أو لون أو دين، امتثالًا لتعاليم ديننا الحنيف الّذي جاء رحمة للعالمين.

وأشاد العلماء والمشاركون بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة هذه الأزمة جاعلةً من إغاثة الإنسان مهما يكن دينه أو لونه أو عرقه أو مكانه البوصلةَ والهدف الأسمى لجهودها.

وذكّر المشاركون بالإشادة جهود رابطة العالم الإسلامي الإغاثية وما قدّمته من مساعدات ودعم لجهات الاحتياج حول العالم للمساهمة في التّصدي لجائحة كورونا والتّخفيف من آثارها وتداعياتها الاقتصادية والصحية، الّتي استفاد منها الملايين في 25 دولة، في إطار استجابتها للدور الإنساني الّذي تقوم به في العالم دون تفريق بين لون أو عرق أو دين، إضافة إلى جهود الدول الإسلامية وغيرها والمنظمات الدولية كمنظمة التّعاون الإسلامي الّتي قدّمت مساعدات طبية وإنسانية للدول المحتاجة إلى مساعدة، ما خلّف أثرًا طيّبًا وسمعةً حسنةً، وخفّف من آثار هذا الوباء في العالم أجمع، منوّهين بتضحيات الطواقم الطبية وتفانيها في إنقاذ الأرواح وعلاج مرضى هذا الوباء والعناية بهم، وبجهود كلّ العاملين أفرادًا ومؤسسات في مكافحة هذه الآفة، مذكّرين بعظم الأجر والثّواب الموعود به كلّ مَن أحيا نفسًا وحافظ عليها.

وزير التسامح الإماراتي:

“المؤتمر يؤكّد دور الشّريعة كمحرّك للنظام الاجتماعي العام”

افتُتِح المؤتمر بكلمة لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح بدولة الإمارات العربية المتحدة، ثمّن فيها ما يمثله المؤتمر الهام من حرصٍ كبير، على تأكيد دور الشريعة الإسلامية، كمحرك للنظام الاجتماعي العام، معبّراً عن شكره للجميع على مساعيهم تجاه بلورة أهميتها باستمرار، باعتبارها حصناً للسلامة والأمان في المجتمع، بل وسبيلاً صحيحاً لتوجيه حياة المسلمين، تتحقق بها ومن خلالها، رعاية مصلحة الفرد، وحماية مصالح المجتمع”.

وأضاف: “نحن دولة، ولله الحمد، تعتز بالإسلام ديناً، ويسعدها كثيراً، في هذا السبيل دعم هذا المؤتمر، الذي يسعى إلى تقديم حلول ومقترحات، تُثري حياة الأمة، وتجدد واقعها، وترشد إلى مستقبلها، كخير أمة أُخرجت للناس، ونحن ولله الحمد، دولة يسعدها كثيراً، الإسهام في تحقيق الترابط والتواصل الفكري والحقيقي بينكم، أنتم علماء الأمة، وبين جمهرة المسلمين في كل مكان”.

ولفت معالي وزير التسامح إلى أن فيروس كورونا المستجد خلّف آثارًا غير مسبوقة على كافة مجالات الحياة، وعلى العلاقات بين الأمم والشعوب، وعلى علاقة الإنسان بخالقه وعلاقاته مع الآخرين من حوله، مستطرداً: “إن هذا المؤتمر إنما يعلن بكل وضوح أن الإيمان بالله وتحمل المسؤولية والعزم والتصميم والعمل المشترك في مواجهة التحديات، إنما تمثل في مجموعها، الطريق الأكيد، إلى تحقيق النجاح”.

وأضاف: “إنكم في هذا المؤتمر إنما تؤكدون كذلك على دور علماء الأمة في تعبئة جهود المجتمع، في مواجهة الطوارئ والأزمات، وتركزون في ذلك بالذات، على ضرورة أن يكون المنهج العلمي، والتقدم الإنساني، أسلوباً أساسياً، لمواجهة هذا الوباء، كما أن وجودكم معاً في هذا المؤتمر هو كذلك دعوة مهمة إلى التعاون الإقليمي والعالمي، من أجل التغلب على المشكلات، والحفاظ على الصحة العامة في كل مكان”.

وأكد آل نهيان، أن شريعة الله إنما تدعو إلى الوحدة والتآخي والتعاون، من أجل تحقيق مصلحة العباد، وتمد المسلمين بزاد فكري، ونظام قانوني، وعطاءٍ روحي، يكفل للفرد والمجتمع، حياة طيبة وآمنة، وتجسد أمام الناس أن الدين الإسلامي، يُسر لا عُسر، وأن فقه الشريعة مرن بطبيعته، متطور في تكوينه، يقوم على الاجتهاد وإعمال العقل، والأخذ بأسباب العلم والمعرفة، في إطارٍ من روح الشرع، وجوهر الدين.

وتابع معالي الشيخ نهيان قائلاً: “إننا إنما نضع ثقتنا وتفاؤلنا، في هذا المؤتمر، ونتوقع منه أن يؤدي إلى عدد من الفتاوى السديدة، وأن يضع من برامج التوجيه ما يجعل المجتمعات الإسلامية قادرة على التعامل مع آثار هذا الوباء، ونريد منكم كذلك، توجيه الفرد المسلم، نحو صياغة أموره الحياتية في ظل الفيروس وفق منهج إسلامي رشيد، والخروج بالمقترحات المناسبة في مجالات العبادات والمعتقدات والمعاملات، وفي كيفية تحقيق النجاح في إدارة هذه الأزمة الطارئة، سواء في المجال الاقتصادي، أو الصحي، أو الاجتماعي بشكلٍ عام.

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي:

“الجائحة حمَّلت علماء الشريعة مسؤوليةً كبرى في مواجهة تيه السؤال وحيرة الجواب”

بعدها ألقى معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ورئيس هيئة علماء المسلمين، كلمة أكد فيها أن هذا المؤتمر يناقش موضوعاً مهماً يتعلق بمعالم فقهِ ما بعد جائحةِ كُورونا؛ نظراً لما في تضاعيف هذا الفقه من مسائلَ شرعيةٍ مهمةٍ، ألحَّت بها المستجدِاتُ والنوازل، وفي طليعتها، بل والباعثُ الرئيس على عقد هذا المؤتمر تلك الجائحةُ المستجدة.

وقال معاليه: “لقد نشأت عن هذه النازلة مسائلُ شرعيةٌ ملحةٌ في العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات، وكان على حَمَلَةِ الشريعة، مسؤوليةٌ كبرى في بيان أحكامها؛ لئلا تظل عالقةً في تيه السؤال، وحيرة الجواب”، مضيفاً “ولئن سعِد الجميع باتفاق كلمة العلماء تحت مظلة مجامعَ علميةٍ (كلٌّ في فجِّه العميق)، فإنا سعادتنا لا توصف وقد انعقدت عزيمة تلك المجامع، لتلتقي هنا على كلمة سواء في مسائلَ ذاتِ شؤونٍ وشجون”.

وتابع معالي الأمين العام للرابطة: “لقد كان الباعث، على هذا المؤتمرِ تلكم الأسئلة الملحة، والقضايا العالقة، والأجوبة المتعددة، في سياق شتات علمي، حيَّر المستطلع والمستفتي، وكلنا على موعدٍ، مع علماء الأمة الإسلامية للتصدي لتلك المستجدِات الفقهية، عبر هذا الملتقى، موضحين الحكمَ الشرعي في مسائلها وفروعِها “بالبينات والزُّبُر”، اضطلاعاً بالمسؤولية الشرعية، حيث اختارهم الله تعالى لحمل الأمانة وأدائها، فكانوا أحقَّ بها وأهلَها”.

وأوضح أن المؤتمر سيتطرق أيضاً – وهو ينتهز فرصةَ هذا الجمعِ الاستثنائيِّ الكبير- إلى موضوعات شرعية أخرى مُلِحَّةٍ في سياقنا الإسلامي.

وختم معاليه بقوله: “إن هذه الجائحةَ مع كَبَدِ معاناتها، تحمل منافع للناس، فقد فتحت للخلق آفاقاً وتدابيرَ، لم تخطر لهم على بال”، مقدماً شكره لفضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن بيّه لإسهامه الفاعلَ والمتميز، فيما نراه من تباشير نجاح هذا المؤتمر.

رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي:

“احترازات الحج اجتهاد مضبوط بالضبط الشرعي والمنهجي العلمي الصحيح”

ثم ألقى معالي العلامة عبدالله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي كلمة قال فيها: “نجتمع اليوم والعالم يمرُّ بأزمة لا عهدَ له بمثيلاتها، جرّاء تفشّي وباء فيروس كورونا المستجدّ، الذي أصاب الملايينَ وحصد أرواح مئات الآلاف ولا يزال يتمدّد من بلد إلى بلد، بل ويهدّد دولاً عُوفِيَتْ بالمعاودة والتّجدّد، فاستحق بسرعة فشوّه وشمول انتشاره، التصنيف والتوصيف بالجائحة من قبل مُنظمة الصّحة العالمية”.

وأضاف: “إننا نجتمع اليوم وقد تباعدت أجسادنا وإن تقاربت بحمد الله قلوبنا، نجتمع في أول مؤتمر فقهي من هذا النوع لنتدارس نتائج الأزمة وآثارها”، مؤكداً أن النظرة لهذا المؤتمر تنطلق من الوعي بأنّ هناك جهة ينبغي ألا تَغفُل أو تُغفِل ما يجري، وهي جهة الفقه الذي هو عبارة عن صنوف وقوانين وفلسفة وروحانيات.

وتابع معالي العلاّمة بن بيّه: “والواقع أنكم أيها العلماء في مؤسسات الفتوى الرسمية وفي مساجدكم ومدارسكم قد تصديتم للنّوازلِ المستجدة التي فرضها الواقعُ الجديد بآليات الفتوى المقرّرة والمناهج المُتّبَعَة، وبما يوافق السياقات المحلّية”، منوهاً إلى أن رابطة العالم الإسلامي بقيادة معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى كان لها قصب السبق في كلّ عمل توحيدي وجهد تجديدي، فلم يألُ معاليه جهداً أو يدخر طاقة في جمع طاقات الأمّة العلمية ودعوة قادة الرأي والفكر فيها لتعميق الأخوة وتوثيق الصلة لما فيه نفع الأمة الإسلامية والبشرية.

وأضاف: “على هذا النّحو كان لنا في مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي جهد في إصدار مجموعة من الفتاوى والبيانات لتوضيح الموقف الشرعيّ من عدد من القضايا العملية والعقدية الأساسية، كما اضطلع المجلس بدوره التوجيهي في مواكبة السياسة العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة ورؤيتها العملية الرائدة في التصدي للأزمة.

وأشاد العلاّمة بن بيّه، بما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية المخولة شرعاً ووضعاً برعاية الحرمين الشريفين وأقدس مكانين، من تدابير جنبت الكوارث ورعت الحرمة في مواجهة الأزمة وأدت الأمانة، مشدداً على أنه من اللازم التقيّد والالتزام بما تتخذه حكومة خادم الحرمين الشريفين انطلاقا من مسؤوليتها السيادية والشرعية في رعاية الحجاج والمعتمرين والزوار وإعانة لها في الحفاظ على صحة الجميع وسلامتهم.

وبين فضيلته: “إن القرار الذي صدر بتخصيص الحج هذه السنة لحجاج الداخل وتقليص أعداد الحجاج يعود لمصلحة المسلمين لما قد يواجهونه من خطر تفشي المرض بينهم في ظل استمرار جائحة كورونا. فهو اجتهاد مصلحي صادرٌ من أهله وواقع في محلّه، اجتهاد مضبوط بالضبط الشرعي والمنهجي العلمي الصحيح”.

وتابع قائلاً: “كما تميّزت رؤية دولتنا الإمارات العربية المتحدة في مواجهة هذه الأزمة بالاستشراف في التخطيط والحزم عند التطبيق، وهي رؤية تقوم على قيمة الكرامة والكرم الإنسانيين، حيث أعلت من شأن حياة الإنسان، وصحته وراحته، ولم تألُ جهدًا أو تدَّخر مالا في سبيل ذلك. كما تقوم هذه الرؤية على قيمة الابتكار فشاركت الإمارات العالم في تطوير العلاجات المتطورة والاستفادة من ثمرات العقول وأحدث الكشوف، فأفادت المواطنين والمقيمين من أكثر العلاجات تقدماً وأكثر الفحوصات تطوراً”.

وزير الشّؤون الدّينية الباكستاني:

“تنوع الفتاوى له قيمة وأهمية بالغة في تطوير الفقه الإسلامي”

بعدها ألقى معالي الشيخ نور الحق قادري وزير الشؤون الدينية في جمهورية باكستان الإسلامية كلمة تطرق فيها إلى تداعيات فيروس كورونا على العالم أجمع.

وقال: “إن المسلمين في العالم الإسلامي وفي غيره لا يقدمون على عمل إلا بناء على فتوى العلماء والفقهاء، ومنذ تفشي هذا الفيروس في العالم تصدت مراكز الفتاوى والمجامع الفقهية والفقهاء الكبار لبيان الأحكام الشرعية للمسائل المستجدة المختلفة حول جائحة كورونا. وهذه الفتاوى كما صدرت عن مؤسسات رسمية مكلفة بالإفتاء من قبل الإدارة الحكومية كذلك صدرت عن مفتين مستقلين لهم أتباعهم، أو عن أحزاب وجمعيات دينية إسلامية أخذت على عاتقها الإفتاء لجمهورها. فتنوعت هذه الفتاوى بتنوع المذاهب الإسلامية واختلاف الاجتهاد وأصوله داخل هذه المذاهب المختلفة، ولكن لجميعها قيمة وأهمية بالغة في تطوير الفقه الإسلامي”.

وأضاف: “إن الأمر الجميل الذي شاهدناه هو التزام غالب المسلمين بالأوامر، فقد أدركوا أن من أصدر الفتوى بالمنع عن شيء ما أراد بالمسلمين إلا خيرًا”.

وزير الأوقاف المصري:

“نحتاج إلى الفهم الصحيح للنص من خلال القواعد العلمية والمنطقية”

من جهته أكد معالي الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية، أن فقه التعامل مع جائحة كورونا بيّن مدى الحاجة الملحة إلى الخروج من الآفاق الضيقة التي تمثلت عند بعض المحسوبين على الخطاب الديني في حفظ أحكام بعض المسائل دون النظر بعين الاعتبار في فقه المقاصد، وفقه المآلات، ومراعاة ظروف الزمان والمكان وأحوال الناس ومستجدات العصر وطوارئه.

وقال: “لقد أصبحنا أكثر من أي وقت مضى في أمس الحاجة إلى إعمال العقل في فهم صحيح النص من خلال القواعد العلمية والمنطقية لفهمه، والانتقال من مناهج الحفظ والتلقين إلى مناهج الفهم والتحليل، في مناهجنا وبرامجنا وكتاباتنا العلمية وأحاديثنا الإعلامية، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا غنى عن العودة إلى جذورنا العلمية في القواعد الفقهية والأصولية والاستفادة من العلوم العصرية على حدٍ سواء، مع التأكيد على أن العلم النافع هو مطلق العلم الذي ينفع الناس في شؤون دينهم ودنياهم، وأن أهل الذكر في كل علم وفن هم أهل الاختصاص فيه.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مؤتمر “فقه الطوارئ” يهدف لدراسة المسائل والمجالات الّتي تؤثّر فيها جائحة كورونا والخروج باجتهاد فقهي يحقّق المناط منها، حيث تمّ عقد 10 جلسات، تتعلّق بأحكام تأخير الصّلاة في ظلّ ظروف الجائحة وإغلاق المساجد مؤقتًا، وأحكام تقديم وتأخير دفع الزّكاة، وأحكام الصّيام للمصابين بفيروس كورونا وطواقم الرّعاية الطبية، وأحكام الحجّ للقادرين عليه في زمن الوباء وانتشار العدوى بين النّاس، ومجال المعتقدات، وتتضمّن موقف الإنسان من الكوارث والأزمات وكيف يفسرها (مسألة الخير والشرّ والصّلاح والأصلح)، وأيضًا في مجال المعاملات. إلى جانب تقديم الرّأي الشّرعي في مختلف العقود الّتي تأخّر تنفيذها بسبب الجائحة، وكيفية سداد الديون (وما ترتّب في الذمّة) في حال التضخّم الاقتصادي، ونظرية الطوارئ في قانون المعاملات المدنية. وكذلك التّعامل مع الموتى من ضحايا كورونا، واستخدام اللّقاحات للوقاية من المرض، ومخالطة مريض كورونا للأصحاء وهل يضمن إن تسبّب في مرض غيره وهل يدخل في باب “الجنايات”، والامتناع عن زيارة الوالدين والأقارب وعدم المصافحة خوف العدوى، وإمكان اعتبار تأثيرات الجائحة النّفسية والمادية في قضايا الخلافات الأسرية. واختتمت الجلسات بمناقشة الجهود المميزة للدول الإسلامية في التّعامل مع جائحة كورونا.