الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-01-23

بقلم الأستاذ – عبد القادر أبو صلاح الدين 

 

تتميز القدس بأهميتها في جميع الديانات السماويّة، وهي مفتاح السلام ولكنها تحظى بمكانة خاصة عند المسلمين، فقد كانت أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وأوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بشد الرحال إليها بعد المسجد الحرام في مكة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة.

 كما تتمثل أهمية القدس الدينية في كونها مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام في معجزة الإسراء والمعراج، إذ صعد منها إلى السماء، وصلى بالأنبياء السابقين، كما في قوله تعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الآية (1) سورة الإسراء، ولم يعترض منذ القديم أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في أرض الشام وفلسطين، ومارسوا عباداتهم وبقيت كنائسهم ومعابدهم، واختلطوا فيها بالمسلمين وتبادلوا المصالح والمنافع، بل وتصاهروا.

فهي أُولَى القبلتين، والمسجدَ الأقصى الذي بارك الله حوله، وأنها كانت نهايةَ المرحلة الأرضية، وبدايةَ المرحلةِ السماويةِ، من تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعودا، وإليها ترامت همم الفاتحينَ تحمل الهدى والسلام، وشرائع الإسلام ثمار الوحي الجديد إلى منابت الوحي القديم.

فالمسجد الأقصى والأرض المقدسة، وفلسطين وبيت المقدس، أرض النبوات، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإرث الأمة الخاتمة الذي يسكن قلب كل مسلم، بقاعٌ باركها الله وبارك ما حولها، أكثر أرض في هذه الدنيا سار فيها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويعدّ المسجد الأقصى ثاني مسجد وُضع للناس في الأرض بعد المسجد الحرام بمكة، وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه- أنه قال: قلت يا رسول الله، أيّ مسجد وُضع في الأرض أولَ؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: «المسجد الأقصى» .

وقد خطَب عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بالجابية، وهو في طريقه لاستلام مفاتيح بيت المقدس فقال: " أيها الناس، أَصْلِحُوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وَمَنْ سرَّتْهُ حسنتُه وساءته سيئتُه فهو مؤمن" .

وتستند العقيدة الإسلامية في أصولها إلى الإيمان المطلق بالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والرسالات السماوية بدليل قوله سبحانه وتعالى" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ"  الآية (13) سورة الشورى، ومما يعزز ارتباط القدس والمسجد الأقصى بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طبقاً لما جاء في الأثر: “بيت المقدس بنته الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعمرته، وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه ملك”، وكذلك قول مقاتل بن سليمان “ما في موضع شبر إلا وقد صلى عليه نبي مرسل أو قام عليه ملك مقرب”.

 

 وتزداد مكانة القدس في العقيدة الإسلامية رسوخاً أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد أم فيها بالملائكة والأنبياء عليهم لصلاة والسلام. فقد روي عن قصة الإسراء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء من قبل قال: ثم دخل جبريل أمامه فأذن جبريل ونزل ملائكة من السماء، وحشر الله المرسلين ثم أقام الصلاة، وصلى النبي الكريم  صلى الله علية وسلم بالملائكة المرسلين”. وتروي كتب التفسير بأن الآية الكريمة " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ" الآية (45) سورة الزخرف، قد نزلت في بيت المقدس ليلة الإسراء، كما روي عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنزلت علي النبوة في ثلاث أمكنة بمكة والمدينة والشام”. حديث صحيح .

 

والقدس قبلة المسلمين الأولى، كما جاء عن البراء رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهرا" رواه البخاري ومسلم، فكل هذه الأوصاف والمكانة التي خص بها الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم لبيت المقدس جعل المسلمين عبر التاريخ يعظمونه ويحبونه وينافحون ويدافعون عنه بكل ما يملكون ويقدمون أرواحهم فداء لهذا البيت الذي كان في يوم من الأيام قبلة المسلمين الذين لا تزال قلوبهم مشدودة إليه لما يقوم به الصهاينة من تدمير لكثير من معالمه التاريخية بحجج دينية واهية، فالأقصى سيبقى حياً في قلوب المسلمين، والمسجد الأقصى رمز ديني لا يمكن أن ينسى مهما كثرت المحن واشتدت الفتن وكثر الهرج، وتحريره من أولويات أعمالهم، وما تقدمه القيادة الهاشمية المباركة من دعم مادي ومعنوي لرعاية المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة ورعاية المقدسات الدينية في القدس الشريف، وتأمين جميع المتطلبات اللازمة لأبناء الشعب الفلسطيني الصامدين في مدينة القدس الشريف، لتعزيز ثباتهم على أرضهم وصمودهم وتصديهم للتحديات التي تواجههم، إضافة إلى تأمين الحراسة للمسجد الأقصى المبارك.. اللهم رد علينا المسجد الأقصى .