الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2020-07-26

التبرع بجزء من أموال الحج للفقراء والمرضى ضرورة في الوقت الحالي

التكافل الاجتماعي من الأمور التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، وفي الوقت الحالي ونتيجة انتشار فيروس كورونا، تعرضت الكثير من الأسر لمشاكل مادية، نتيجة التأثيرات السلبية التي خلفتها هذه الجائحة التي يعاني منها العالم أجمع، الأمر الذي يؤكد علي  ضرورة أن يقوم كل من كان ينوي الحج هذا العام التبرع بجزء من مال الحج في أوجه الخير، وعليه أن ينتظر الخير من الله عز وجل، لأنه في هذا الوقت زاد عدد المحتاجين، وهناك الكثير من المرضى الذين لا يجدون من ينفق عليهم، وكل ذلك يتطلب أن يقوم أصحاب الأموال بالتبرع للفقراء والمحتاجين، وأن يكون هناك تواصل مع الجمعيات والمؤسسات التي تقوم على علاج وتعليم ورعاية الفقراء والأيتام وأصحاب الحاجات .

وقد أكد علي هذه المعاني عدد كبير من العلماء والدعاة وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي، وطالبوا بضرورة أن يقوم كل من كان ينوي الحج هذا العام أن يتبرع بجزء من ماله للفقراء والأيتام وأصحاب الحاجات والمرضى والمساكين .

وقد أكد مركز الأزهر للفتوى الإليكترونية أنه ومع هذا الفضل العظيم للحج والعمرة فإن إكساب المعدوم، وإنقاذ المرضى، وإطعام الجوعى في زمان الوباء والفاقة أولى وأفضل من حج النافلة وعمرتها، فللنوازل أحكامها، ولأزمنة الجوائح في شريعة الإسلام تفَقُّه يُناسبها؛ سيما إذا تعطلت التحركات من بلد لآخر بسبب خوف انتشار الوباء، كما هو الحال الآن في ظل خوف انتشار فيروس كورونا، ليس في بلاد الحرمين فحسب، بل في مختلف بلاد العالم .

وقد فهم العلماء هذا الفقه وطبقوه، ودعوا الناس إليه، فهذا عبد الله بن المبارك رحمه الله، تقول له فتاة وقد خرج للحج سنة: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلَّا هذا الإزار، وليس لنا قُوت إلا ما يُلقَي على هذه المزبلة، وقد حلَّت لنا الميتة منذ أيام؛ فدفع إليها نفقة الحجِّ، وقال: «هذا أفضل مِن حجِّنا في هذا العام»، ثم رجع. [البداية والنهاية لابن كثير (10/ 191)].

بل قد جاء عن الفقهاء ما يفيد أولوية الصدقة على حج الفريضة إذا عمَّت البلوى، وازدادت الحاجة، وتعيَّنت المُواساة، إذ إن المُواساة في أزمان الجوائح واجبةٌ باتفاق الفقهاء، وحج الفريضة مختلف في وجوبه: هل هو على الفور أم على التَّراخي؛ يقول الإمام الحطاب المالكي رحمه الله: «وَأَمَّا فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ فَتُقَدَّمُ الصَّدَقَةُ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الْمُوَاسَاةُ بِأَنْ يَجِدَ مُحْتَاجًا يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاتُهُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي حَجِّهِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى الْحَجِّ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَالْحَجُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ» [مواهب الجليل للحطاب (3/ 537)] .

ويقول الإمام ابن رشد رحمه الله: «إنَّ الحجَّ أحبّ إليه من الصَّدقة، إلَّا أنْ تكون سنة مجاعة؛ لأنَّه إذا كانت سنة مجاعة، كانت عليه المُواساة، فالصدقة واجبة، فإذا لم يواسِ الرَّجلُ في سنة المجاعة مِن ماله بالقدر الذي يجب عليه المُواساة في الجُملة، فقد أثم، وقدر ذلك لا يعلمه حقيقة، فالتَّوقِّي من الإثم بالإكثار من الصَّدقة أولى مِن التَّطوع بالحجِّ، الذي لا يأثم بتركه» [البيان والتحصيل لابن رشد (13/ 434)].