الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-11-06

الكوارث الطبيعية سنن كونية

 

بقلم - حياة قاصدي

كاتبة وأديبة

 

من منا لم يشاهد يوما صور الدمار والهلع جراء حدوث زلزال أوفيضان، المؤكد أنه  سبق وأن تابعنا  ذلك عبر التلفزيون ووسائلالتواصل الحديثة، فالبشرية قد اعتادت  على الهدوء و الإستقراروالطمأنينة، لكنها جلبت على الإستيقاظ من عشرية إلى أخرى علىما  يزعزع سكينتها  جراء حدوث كوارث طبيعية متعددة، منهاالزلازل والفيضانات التي تعتبر أكثر الكوارث التي تنغص حياةالإنسان على هذا الكوكب.

 

والكوارث الطبيعية هي رسائل تحمل دلالات أهدافها متعددة الأوجه، فمن المسألة المتعلقة بالإيمان على أن  هذا الكون يخضع لإرادةإلاهية عظيمة، إلى ضرورة البحث والتمعن في كيفية تناول القرآنالكريم لحركة الكون في طرح  يدعو إلى ضرورة التفسير العلمي للسنن الكونية.

 

والسنن الكونية هي القوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالىلتسيير هذا  الكون، وتكشف لنا الآيات القرآنية  عظمة  ارتباطهابالإعجاز  العلمي في العديد من النصوص، التي تحمل إشاراتقوية في مفهومها المتعلق بتفسير ظواهر متعددة منها ما له علاقةبالكوارث الطبيعية .

 

وقد ورد ذكر الزلازل في القرآن في العديد من الآيات، منها يقول اللهتعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" الآيات ( 1 - 2) سورة الحج، وهنا يبين لنا اللهسبحانه وتعالى عظمة هذا الحدث الكوني، الذي يقلب حياةالإنسان ويغير الموازين التي تضبط حياته لكن الإنسان بطبيعتهيميل دائما إلى التغلب عن المصائب بمختلف الطرق الممكنة، ليغوص بعقله في دهاليز البحث العلمي ليعثر على التفسيرالمنطقي لما يعتبر خرقا يعبث في زعزعة نظام الكون.

 

وبين رحلة تتوقف إجابتها عند عتبات الإيمان يستقر القرآن الكريمعبر اللفظ المكنون ليسترسل في سرد ما يجعل العلم يتطابق معأسرار آياته، والنظرة العقلية لما يحدث على هذا الكوكب ضرورةحتمية على الإنسان الخوض فيها، كي يتقرب إلى خالق هذا الكون، كيف ينظم الله تعالي الأرض عبر ضوابط منظمة  لا تقبل العشوائية، فعندما نقرأ سورة الزلزلة التي حملت إسم  هذه الظاهرة الكونية " إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " سورةالزلزلة.

 

نكتشف تفسيرا عظيما في ثنايا هذه الآية التي تشير بوضوح إلىارتباط الزلازل بالبراكين حيث أثبتت البحوث الجيولوجية هذاالإرتباط الوثيق  الذي لا يقبل الشك، فحرك الأنشطة البركانيةمرتبطة من حيث المساحة الجغرافية و المدة الزمنية بظاهرة الزلازل، كما أن الآية في إشارتها إلى إخراج الأرض أثقالها تثبت ما توصلتإليه الاكتشافات العلمية من كون  أن جوف الأرض أثقل من سطحهاالذي يبلغ ذروته في مركزها النهائي، فقد توصل العلم إلى أن الثقلالنوعي في لب الأرض يصل إلى حوالي 12 بينما يقتصر سطحهاعلى 2,5 تقريبا وأثقال الأرض عرف أنها تتكون من حديد ونيكل فيشكل صهارة و حميم . 

 

أما التفسير الرباني للفيضانات في القرآن الكريم، يكتشف كيفنظم الله علاقة الماء بالأرض " وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ " الآية (18) سورة المؤمنون، وفي هذا النص إشارة واضحة كون الله سبحانهوتعالى وضع معادلة يتوازن فيها مستوى الماء مع الأرض، و تشيرالآية بين ثناياها أن تجاوز قيمة الماء الحد الطبيعي يجعل الأرضتتعرض للهلاك "وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ" الآية (6) سورة التكوير، والإشارة الضمنية في هذه الآية الكريمة توضح أن تجاوز الماءمعدل سطح الأرض يحدث الفيضانات المتسببة.

 

وربط الإسلام الكوارث الطبيعة بالتفسير العلمي، كما أنه يوظفهافي سبيل دفع الإنسان إلى التأمل في حقيقة هذا الكون، الذي جعلهالله سبحانه وتعالى مرحلة مؤقتة يمر عليها من أجل أداء وظيفةمحددة لا يمكن أن يحقق مبتغاها إذا تخلى عن اتباع رسائلالسماء، التي تطالبه باتباع مسالك الفضيلة والعدالة والابتعاد عنحبال الشيطان، فالله سبحانه وتعالى الذي خلق الكون جميلا وفقضوابط منظمة، يذكرنا في آياته أن حدوث الاختلال ليس عبثيا، بلله ما يبرره علميا كما أنه يعتبر في الوقت نفسه أداة للتذكيريستعملها الله حتى نستعيد حبال ارتباطنا بشرائعه، والزلازل التيتبث الخوف والفيضانات التي تغرق العالم من طوفان سيدنا نوحإلى تسونامي العصر الحالي، ما هى إلا رسائل تدعونا إلى ضرورةالتمعن والبحث والتمسك بالترابط الإنساني، الذي يصل ذروته فيعز معركة الكارثة وعلينا أن نحافظ على إنسانيتنا، بعيدا عنالوقوع في بؤرة أعظم لكوارث ألا وهي المصيبة الأخلاقية.