الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2020-07-23

الدكتور محمد عبد الكريم العيسي أمين عام رابطة العالم الإسلامي في حوار خاص معنا :

  • نحمل هموم الشعوب الإسلامية وقضاياها في الداخل الإسلامي وخارجه ولدينا برامج ومبادرات كثيرة جداً تخدم المسلمين
  • التواصل الإنساني الحضاري والثقافي مع أتباع الأديان والثقافات الأخرى هو في صميم حِـــراكنا
  • تعاوننا وشراكتنا مع الفاتيكان لم تتوقف منذ اللقاء الذي عقدناه في الفاتيكان مع البابا فرنسيس

في العدد الأول من المجلة كان لنا هذا الحوار مع معالي الدكتور محمد عبد الكريم العيسي أمين عام رابطة العالم الإسلامي، الحديث حول قضايا تهم الأمة الإسلامية في هذا الوقت، في ظل دور كبير وفعال تقوم به الرابطة في خدمة قضايا الأمة، وإلي نص الحوار ..

جهود دعوية وفكرية غير مسبوقة قامت بها رابطة العالم الإسلامي خلال الفترة الأخيرة، نود أن نشير إلي جانب منها ؟

رابطة العالم الإسلامي إزاء واجب كبير جداً ومسؤولية جسيمة يتطلع إليها العالم الإسلامي وغير الإسلامي باعتبارها (وفق نظامها التأسيسي) مظلة للشعوب الإسلامية وتعمل على كل ما من شأنه خدمة الإنسانية، من منطلق القيم الإسلامية والعالمية، والرابطة تركز على تطلع المسلمين نحوها في حفظ الوئام واللحمة بين الشعوب الإسلامية من القبلة الجامعة للمسلمين بمكة المكرمة حيث مقر رابطة العالم الإسلامي.

ولدى الرابطة ثلاث مهام رئيسة الأولى، هي:

  1. إيضاح حقيقة الإسلام، ويتم ذلك على محورين متوازيين أولهما من خلال مواجهة أفكار التطرف التي انحرفت عن صحيح الدين بإيضاح الحقائق الإسلامية ونشر الاعتدال والوسيطة، إضافة إلى نشر الوعي بأهمية التفكير السليم، وتحصين العاطفة الدينية بأن تكون مؤطرة باستيعاب الحقائق وليس العاطفة المجردة من الوعي التي من شأنها أن تذهب بأصحابها إلى التفكير السلبي والأفكار المتطرفة أو العنيفة لا قدر الله.

وفي هذا المحور تعمل الرابطة على ترسيخ مفاهيم الاعتدال والوسطية في سياق جهودنا لتعزيز الوعي في الداخل الإسلامي. وهو محور مهم بالنسبة لنا، ويتم تنفيذه من خلال هياكل وبرامج ومبادرات عملية متعددة وأنشطة فعالة حول العالم الإسلامي، يتم تنظيم غالبها مع الحكومات مباشرة والمؤسسات الوطنية ذات الاهتمام والاختصاص في كل دولة، وقد حققنا ولله الحمد في هذا نتائج رائعة. نحن نعتقد بأن هذا العمل هو العمل الحقيقي الذي به تتم خدمة الإسلام فعلاً.

والمحور الثاني في مهمة إيضاح حقيقة الإسلام تتعلق بكشف أوهام أو مغالطات أفكار التطرف المضاد و المسيء للإسلام، وما يسمى بالخوف من الإسلام أو “الاسلاموفوبيا”.

  • أما المهمة الثانية من مهمات رابطة العالم الإسلامي فهي التواصل الحضاري والثقافي مع أتباع الأديان والثقافاتالمتنوعة.
  • والمهمة الثالثة هي الخدمات الإنسانية للمجتمعات الفقيرة والمحتاجين وضحايا الأزمات والكوارث، وإنشاء ودعم المشروعات التنموية التي تخدم هذه الشرائح.

مع أهمية التذكير هنا بأننا في رابطة العالم الإسلامي نعمل في هذا الجانب الإنساني من خلال التواصل المباشر مع الحكومات. نحن لا نتعامل إلا مع الحكومات مباشرة أو المؤسسات المرخصة وأيضاً إذا كان ذلك بتوصية مباشرة من الحكومة باعتمادها كوسيط ولا نفرق في هذا العمل الإنساني مطلقاً لا لأسباب دينية أو عرقية  ولا سياسية ولا غيرها علاوة على أننا لا نتعاطى السياسة إلا ما كان داعماً للسلام العالمي ووئام المجتمعات ومعززاً للصداقة بين الشعوب.

أما منهجنا في أدائنا فيعتمد على مفهوم “الإتقان” الذي يقابله مصطلح “الجودة” -وإن كان أقل دقة ووضوحاً من مفهوم الإتقان-. فنحن نعمل بطريقة علمية ووفق قياسات منهجية للوصول إلى تحقيق نتائج ملموسة قابلة للمتابعة والتقويم ومن ثم التصحيح والتطوير، وأي عملية غير واضحة الأهداف أو لا يمكن قياسها أو أنها لا تحقق أثراً فاعلاً وملموساً فإننا نستبعدها باعتبارها استهلاكاً للمال والوقت والجهد .

مواقف الرابطة تجاه قضايا العالم الإسلامي والتصدي للمخططات التي تحاك ضد الدول الإسلامية أصبح حائط صد أمام هذه المخططات؟

نحن في رابطة العالم الإسلامي نحمل هموم الشعوب الإسلامية وقضاياها في الداخل الإسلامي وخارجه.ولدينا برامج ومبادرات كثيرة جداً تخدم المسلمين في العالم الإسلامي وتنهض بالشباب الإسلامي وتخدم الجاليات المسلمة في الدول غير الإسلامية. وأيضاً تخدم الأقليات التي تتعرض للعنف أو المضايقات دون التدخل في شؤونهم الدينية أو الوطنية بل نحن ندعو وندعم استقلالهم في الفتاوى واندماجهم في مجتمعاتهم الوطنية.

كذلك لدينا بفضل الله الحقائق الإسلامية الدامغة من خلال النصوص الدينية التي تحفل بالقيم الإنسانية الرفيعة، التي من شأنها إسكات كل الأصوات النشاز. وتفنيد كل الأفكار المتطرفة التي تسعى لخلق صورة ذهنية مضللة عن الإسلام. صورة لا يتبناها الجميع بالطبع وإن كان البعض يتأثر بها.

وقد تمكنا من تحقيق الكثير من الانجازات في هذا السياق وتحولت الكثير من أصوات الكراهية إلى جانب العقل والإنصاف وأحياناً الصداقة. كل ذلك بصوت العقل والحكمة والحوار الأخوي الصادق والمتواصل وتحديداً اللقاءات المباشرة مع المخالفين مهما كانت درجة اختلافهم.

– وماذا عن جهود الرابطة في مجال التواصل مع غير المسلمين لتحقيق معاني الأخوة الإنسانية ؟

التواصل الإنساني الحضاري والثقافي مع أتباع الأديان والثقافات الأخرى هو في صميم حِـــراكنا، وهو المهمة الثانية التي نضطلع بها في رابطة العالم الإسلامي. وقد اعتمدنا في هذا عدداً من المبادرات وعقدنا عشرات اللقاءات والحوارات والمؤتمرات المشتركة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر منها ما عقد مؤخراً:

  • المؤتمر العالمي لتحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف في الأمم المتحدة،
  • ومؤتمر التواصل الحضاري بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة
  • ومؤتمر التواصل الحضاري بين العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية،
  • ومؤتمرات الأخوة الإنسانية في الدول الاسكندنافية
  • ومؤتمر باريس للتضامن الذي توج باتفاقية تاريخية هي اتفاقية باريس للعائلة الإبراهيمية التي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى القادة الدينيين المسلمين والمسيحيين واليهود.
  • وهناك أيضاً قمة سلام الأديان التي عقدت مؤخراً في سيرلانكا لاخماد فتنة محتملة جراء الأحداث الإرهابية التي وقعت هناك.

 لا أريد أن أطيل لكننا ولله الحمد حققنا مكاسب كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة في رحلة تواصلنا مع أتباع الأديان والثقافات والمهتمين بملفات السلام الجاد ، وأهم هذه المكاسب أننا استطعنا بشراكاتنا المتعددة ترسيخ أرضية من القواسم المشتركة بين الجميع، أرضية تكفي للبناء عليها بالعمل المشترك الذي يخدم الإنسانية جمعاء في سلامها ووئامها، وفي مقدمة أولوياتنا بحكم اختصاصنا في الحقل الديني تحقيق السلام والوئام بين أتباع الأديان والثقافات.

وكيف تفسر الشائعات التي يطلقها البعض في ظل دور قوي تقوم به الرابطة في مختلف القضايا عالميا؟

الحقيقة أننا في رابطة العالم الإسلامي لا نلتفت لمروجي الشائعات. مع تقديرنا للرأي المنصف وإن اختلف معنا. وما يعنينا فعلاً هو إيضاح الحقائق المدعومة بالأدلة التي نستمدها من ثوابتنا الإسلامية.

ومع ذلك أوكد لكم أن الرابطة تحظى ولله الحمد بالتفاف الغالبية الساحقة من ممثلي التعدد الإسلامي حول العالم بأكمله وليس العالم الإسلامي فقط. وسأقدم لكم مثالاً واحداً فقط هو مؤتمر وثيقة مكة المكرمة الذي عقدته رابطة العالم بجوار الحرم المكي الشريف.

هذا المؤتمر التاريخي الذي دعت له الرابطة، تقاطر إليه وباركه وأيد مساعيه وصادق على بنود وثيقته أكثر من 1200 مفتي وعالم يمثلون مجتمعات وهيئات ومراكز إسلامية ومجالس ومجامع فقهية تمثل 27 طائفة ومذهباً من 139 دولة حول العالم.

بل إن هذه الوثيقة وبفضل بركة الأصل الذي استلهمت بنودها منه وهو صحيفة المدنية المنورة التي اعتمدها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي رسخت للتعايش السلمي بين جميع المكونات الدينية، ثم ببركة الإجماع الذي حظيت وثيقة مكة المكرمة، نالت ثقة العالم الإسلامي بل ونالت تقدير غير المسلمين لما تضمنته من معان إنسانية رفيعة.

لكم جهود وتعاون مع الفاتيكان لدعم قيم التسامح والتعايش السلمي، ماذا عن آخر هذه الجهود؟

تعاوننا وشراكتنا مع الفاتيكان لم تتوقف منذ اللقاء الذي عقدناه في الفاتيكان مع البابا فرنسيس. أعقب ذلك استضافتنا الكاردينال الراحل جان لويس توران في المملكة العربية السعودية بصفته رئيساً للمجلس البابوي للحوار بين الأديان وباعتباره من رموز القيادات الدينية الكاثوليكية.

وقد حرصنا أن تترجم هذه اللقاءات والحوارات باتفاقية مؤطرة تضمن الاستدامة، فتم توقيع اتفاقية تعاون بين رابطة العالم الإسلامي والمجلس البابوي للحوار بين الأديان في دولة الفاتيكان، وتم إنشاء لجنة عمل دائمة بين المجلس البابوي والرابطة لتحقيق الأهداف المشتركة، التي تسعى في مجملها لتعزيز الحوار في عالم أصبح أكثر تعددًا للأعراق والديانات والثقافات؛ وترسيخ الإيمان بالروابط الدينيّة القائمة بين المسلمين والمسيحيين، وضرورة إقامة علاقات احترام وتعاون فعالة لخدمة قيمنا المشتركة وهي كثيرة جداً.

نود أن نشيرلجهودكــــمودور الهيئة في التواصل مع المراكز الإسلامية في أوروبا وخصوصا في مجال تدريب الأئمة؟

نقدم كل الدعم للمراكز الإسلامية في أوروبا وغيرها، وهدفنا الأهم أن يتم تسخير كل إمكانات الرابطة المادية والمعنوية لدعم تولي الكفاءات العلمية المعتدلة المعترف بها رسمياً من أبناء الجالية المسلمة في أوروبا زمام الأمور وأن تكون لهم القيادة فيما يتعلق بكل شؤونهم، لأنهم الأقدر على تعزيز الوعي وتحصين مجتمعهم من الأفكار الدخيلة على ظرفيتهم المكانية التي تقتحم سكينتهم واندماجهم سواء أكانت فتاوى عابرة للحدود أو أفكار سياسية ترتدي رداء الإسلام، نحن ضد أي تدريب للأئمة يأتي من خارج دولهم وبدون مبالغة لدى كل دول الأقليات الدينية علماء قادرون على التدريب وقادرون على صناعة متدربين أمثالهم، مهمتنا دعم كل الجهود بالتنسيق مع الحكومات والمؤسسات الرسمية التي تزكيها الحكومات، لكننا لا نتدخل في شؤون أحد، كما أننا ضد أي دعم انتقائييأتي من الخارج لمؤسسات وطوائف وأعراق دينية معينة ، ومثل هذا الدعم الانتقائي غالباً ما تكون له أهداف سياسية أو أديلوجية .

ما هي الكلمة التي توجهها للمسلمين في بلاد أوروبا؟

 أتوجه لهم بالدعاء في هذه العشر المباركة أولاً، ثم أوصيهم بالالتزام بالدساتير والقوانين التي تحكم بلدانهم. وأن يتأكدوا أن الاندماج الإيجابي في بلدانهم لا يتعارض مع حفاظهم على خصوصيتهم الدينية فإن الخصوصية الدينية لا تتعارض أبدًا مع وجوب التعايش بين الجميع، لأن هذه الخصوصية لا تتدخل مطلقًا في نصوص الدستور الذي ضمن للجميع حريته الدينية وممارساته. وأن يسهموا في بناء مجتمعاتهم بالعلم والعمل والقيم الرفيعة، فيعكسون بذلك حقيقة حضارة الإسلام وإرثه العظيم ويعكسون قيمهم الإنسانية والأخلاقية ويبرهنون على صدق وطنيتهم من صميم وجدانهم وأن يربوا أولادهم على ذلك.