الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2020-08-26

المونسنيور الدكتور خالد عكشة، في حوار مع “لتعارفوا”:

“دور الدول هو عدم عرقلة الحوار الدّيني وتشجيعه، دون أن تتدخّل فيه أو تصبح طرفًا فيه”

قال رئيس مكتب الحوار مع المسلمين وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان.، المونسنيور الدكتور خالد عكشة، إنّه “يمكننا رصد ثمار الحوار بين أتباع الأديان وتحقيق المبتغى من خلال التّغيير في الخطاب الدّيني والمناهج المدرسية والإعلام والثقافة بمعناها الواسع” مشيرًا إلى أنّ هذا “لا يتمّ بدون إرادة سياسية”. وأكّد في حوار مع مجلة “لتعارفوا” أنّ مستقبل الحوار المسيحي-الإسلامي يستلزم مرافقته “بالدّعاء إلى الله حتّى يعزّز محبّتنا له تعالى ولبعضنا البعض، فنرى في كلّ إنسان أخًا أو أختًا ونتعامل معًا على هذا الأساس”. معتبرًا عدم اهتمام الإعلام الغربي بالحوار المسيحي-الإسلامي ومبادراته الكبيرة “أحد التحديات الّتي تواجه الجهد الحواري”، مشيرًا إلى أنّه “من الضّروري أن تصل ثمار الحوار الدّيني إلى أكبر عدد من النّاس لخلق ثقافة اللّقاء والتّعارف والتّعاون، مؤكّدًا أنّ “الأقليات أكثر اهتمامًا بالحوار من الأكثرية”.

أجرى الحوار: مهاجري زيان .

كيف ترون مفهوم الحوار المسيحي-الإسلامي؟

أحييكم تحية أخوّة ومودة، وأهنئكم على إصدار مجلتكم “لتعارفوا”، متمنيًا لكم التوفيق في تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين من خلال صفحاتها. تهاني كذلك بعيد الأضحى الذي احتفلتم به لأيام قليلة مضت.

يشترك الحوار المسيحي-الإسلامي مع الحوار الدّيني عمومًا في بعض الأمور، ويتميّز عنه في أخرى. فالمشترك هو الرغبة المتبادلة لدى مؤمنين من أديان مختلفة في أن يلتقوا في جوّ من الاحترام المتبادل، ويتعرفوا بعضهم على بعض وعلى دياناتهم من ناحية العقائد والمنظومة الأخلاقية المرتبطة بها، ويروا ما هي أوجه التعاون الممكنة لخير أتباعها والبشرية جمعاء، قدر المستطاع.

ما يميّز الحوار بين المسيحيين والمسلمين هو ظهور كليهما في ما يُسمّى اليوم الشرق الأوسط، وكذلك الانتماء المشترك – إضافة إلى اليهود – إلى التوحيد الإبراهيمي. لهذا يُخطئ المسيحي الذي لا يعترف بانتماء المسلم إلى عائلة التوحيد الإبراهيمي، كما يخطئ المسلم الذي لا يعترف بانتماء المسيحي إلى العائلة عينها.

هناك أيضًا مشتركات على صعيد المنظومة الأخلاقية لكل من الديانتين؛ علينا أن نشكر الله تعالى على هذه، دون أن نتغاضى عن ما نختلف عليه، حريصين كلّ الحرص على تجنّب تحويل الاختلاف إلى خلاف أو -لا قدّر الله- إلى صراعات وعنف بسبب الدّين أو باسم الله تعالى.

ما هي الأسس أو المبادئ الّتي يستند عليها هذا الحوار؟

رُكنا الحوار هما الحقيقة والمحبّة، أعني أن نكون صادقين في ما نقوله ولا نُخفي عن من نتحاور معه شيئًا من عقيدتنا أو من قيمنا الأخلاقية من باب الحياء البشري أو عن خوف. وينطبق هذا على رؤيتنا للدّين الآخر، عقيدة وأخلاقًا، فـ«لا حياء في الدّين»، ولا مجاملة مغلوطة فيه كذلك.

وأمّا الركن الثاني، أي المحبّة، فيعني أن نتعامل بعضنا مع الآخر في إطار الحوار -وحبّذا دومًا!- باحترام وتقدير ومودّة، حتّى عندما تختلف الآراء والمواقف.

ما سبب اهتمامكم وعنايتكم بملف الحوار المسيحي-الإسلامي في الفاتيكان؟

هي رسالة أنيطت بي عندما دُعيت إلى حملها وقبلت، وكان هذا في الأوّل من تشرين الثاني/نوفمبر 1994. ولكن اهتمامي بالحوار وممارستي له ‘وُلد معي’ كوني أردني الأصل من مدينة في جنوب الأردن ‘الكرك’، يعيش فيها المسلمون والمسيحيون كإخوة ويختلفون كذلك  كإخوة. والذكريات الجميلة كثيرة يضيق المجال عن ذكرها هنا.

إضافة، فإن هذا الحوار قسم لا يتجزّأ من رسالة الكنيسة الّتي تفهم ذاتها كبانية للوحدة بين كافة مكوّنات العائلة الإنسانية الواحدة.

هل لديكم تنسيق وتعاون في المجلس البابوي للحوار مع جهات ومنظمات إسلامية رسمية أو مجتمعية؟

لنا بحمد الله علاقات حوار رسمي وصداقة وتعاون مع العديد من المؤسسات والمنظمات الإسلامية، أعدّدها بحسب الأقدمية: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ومركزها العاصمة الليبية طرابلس؛ رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، ومركزها العاصمة الإيرانية طهران؛ المنتدى الكاثوليكي-الإسلامي؛ المعهد الملكي للدراسات الدينية، ومركزه العاصمة الأردنية عمّان؛ رابطة العالم الإسلامي، ومركزها مكة المكرمة؛ الرابطة المحمدية للعلماء، ومركزها العاصمة المغربية الرباط.

أمّا اللجنة العليا للأخوة الإنسانية الّتي انبثقت عن وثيقة “الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، والّتي يشترك فيها المجلس البابوي للحوار بين الأديان والأزهر الشريف، فقد سبقها تأسيس لجنة حوار بين الطرفين عام 1998.

كما أنّ الكرسي الرسولي (الفاتيكان) يتمتع بوضع مراقب مؤسّس في مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ومركزه العاصمة النمساوية فيينا.

تلتقي اللجان المشتركة عادة في مؤتمر مرّة كلّ سنتين في روما ومن ثمّ في المدينة الّتي يختارها شريكنا المسلم، ونحضّر للمؤتمر من خلال اجتماع تمهيدي يتمّ فيه الاتفاق على كافة التفاصيل المتعلقة بالمؤتمر كالموضوع والمحاور وعدد المشاركين واللغات المستعملة، وغير ذلك.

في إطار تفعيل الحوار وتسويق ثمرته.. هل توجد مساعي لدى بعض الدول لتسهيل الاعتراف الرسمي بالإسلام كدين في الدول الأوروبية الّتي لا تعترف بالإسلام كدين، خاصة أنّ الجالية المسلمة لها دور فعّال وكبير في تلك الدول؟

لستُ على اطلاع على مساعي دول للاعتراف الرسمي بالإسلام، عدَا إيطاليا؛ لكنّي أتمنّى أن يحدث بحسب القوانين السائدة في كلّ دولة، آملًا أن تكون هذه القوانين عادلة وتتعامل مع الجميع بالتّساوي. والأمل عينه لكلّ الدول الّتي يعيش على أراضيها مؤمنون من أديان مختلفة.

هل للمؤسسات الدولية/الأممية الرسمية دور ودعم في ترسيخ هذا الحوار، وفي مراعاة الدّيانات السّماوية في تشريعاتها وتقنياتها المختلف؟

دور الدول هو عدم عرقلة الحوار الدّيني وتشجيعه، دون أن تتدخّل فيه أو تصبح طرفًا فيه. وهذه الضوابط تنطبق على الدّيانات التوحيدية كما على غيرها، كالأديان التقليدية والأسيوية.

كيف يمكن أن يغيّر إيجابيًا هذا الحوار النّبيل نظرة بعض التيارات الفكرية في أوربا وأمريكا خاصة أنّ خطابها ما زال مدجّجًا بمفردات الكراهية والعنصرية ضدّ المسلمين؟

نحن مع ثقافة الاحترام المتبادل والعدل والمساواة بين كلّ المواطنين، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، وبصرف النّظر عن انتماءاتهم العرقية أو الثقافية أو توجّهاتهم السياسية.

ومن ناحية أخرى، علينا أن نفهم كتبنا المقدّسة وتراثنا الدّيني فهمًا صحيحًا، ونعظّم قيم الاحترام والمحبّة والتّعاون، وننبذ الغلوّ في الدّين وخطاب الكراهية والعنف المرتكب باسم الدّين وباسم الله.

كما أنّه مطلوب من كافة مكوّنات المجتمع الواحد الاندماج فيه دون ذوبان، ودون تكوين مجتمعات موازية.

وعلى المسؤولين والمؤسسات الدّينية مواكبة العصر وتقديم فكر وإجابات على التساؤلات والأسئلة النّاتجة عن التغيّرات المستمرة والسريعة الّتي نعيشها.

اسمحوا لنا أن نسألكم بشكل أكثر عمقًا: الحوار المسيحي-الإسلامي ومبادراته الكبيرة لا يجد له المواطن الأوروبي تناولًا إيجابيًا واهتمامًا مناسبًا في الإعلام الغربي.. كيف تفسّرون ذلك؟

إيصال أخبار الحوار -عَقده، مجرياته ومخرجاته- هو أحد التحديات الّتي تواجه الجهد الحواري، لأنّه من الضّروري أن تصل ثمار الحوار الدّيني إلى أكبر عدد من النّاس لخلق ثقافة اللّقاء والتّعارف والتّعاون.

قد يكون هناك سبب آخر أحيانًا: أن تكون ‘الأقليات’ أكثر اهتمامًا بالحوار من الأكثرية.

إلى أيّ مدى تعتقد أنّ مبادرات الحوار بين أتباع الأديان حقّقت مبتغاها وظهرت ثمارها؟

من الصعب بنظري الإجابة على هذا السؤال لأنّه ليس من الممكن أن نرصد التّغيير الّذي يحدث في حياة شخص نتيجة لخبرة حوارية، كما أنّه من الصعب أن نعرف ما هو تأثير هذا الأمر على آخرين من خلال هذا الشخص عينه. هناك أناس مؤثّرون بحكم موقعهم أو عملهم، كالأساتذة الجامعيين والكتّاب ورجال الدّين والواعظين والإعلاميين.

إلّا أنّه بإمكاننا رصد الثمار وتحقيق المبتغى من خلال التّغيير في الخطاب الدّيني والمناهج المدرسية والإعلام والثقافة بمعناها الواسع. وهذا لا يتمّ بدون إرادة سياسية. لكن عندما تكون الديموقراطية وليدة أو ضعيفة، يلجأ أهل السياسة إلى لعب الورقة الدّينية لاسترضاء شعوبهم. ولهذا الوضع انعكاساته على الحوار الدّيني كما هو معلوم.

كيف ترى مستقبل الحوار المسيحي-الإسلامي؟

المستقبل بيد الله وبيدنا كذلك. ونحن كمؤمنين واثقون من محبّته تعالى لنا وإرادته الخير لنا. هو قدير على كلّ شيء، ولكنّه يحترم حريتنا حتّى عندما نخرج عن الصّراط المستقيم. لهذا علينا أن نرفق جهدنا الحواري الجاد والمستمر بالدّعاء إلى الله حتّى يعزّز محبّتنا له تعالى ولبعضنا البعض، فنرى في كلّ إنسان أخًا أو أختًا ونتعامل معًا على هذا الأساس.

نعيش هذه الأشهر جائحة عالمية (كوفيد-19) حصدت الأرواح وعطّلت المصالح والاقتصاد.. ما هو دور الفاتيكان في المساعدة والتّخفيف؟ وهل أثّرت الحالة على نشاطكم وبرامجكم؟

الفاتيكان، كما هو معلوم، هو المدينة-الدولة الّتي هي مركز البابوات ومنه يديرون شؤون الكنيسة الكاثوليكية في شتى أنحاء العالم. يساعد قداسة البابا في القيام بمهمّته الرسولية دوائر متعدّدة يعمل فيها المئات من رجال الدّين والعلمانيين، أعني الأشخاص الّذين لا ينتمون إلى السلك الكهنوتي أو الرهباني.

كانت المساعدة من قِبل الكنيسة، للمصابين والمتضرّرين من الوباء على مستوى الفاتيكان والكنائس المحلية على حدّ سواء. وفي كلا الحالين كان خيار التصدي للجائحة وتبعاتها “متكاملًا”، لأنّ الإنسان في مثل هذه الظروف يحتاج إلى مساعدة متعدّدة الأوجه، لا تستثني العون الروحي.

وقد قام قداسة البابا فرنسيس بتأسيس أربعة لجان للغاية المذكورة أعلاه، أوكل إدارتها إلى “دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة” الّتي أسّسها عام 2016.

أمّا عن تأثير الجائحة على عمل مجلسنا، فقد اضطررنا إلى تأجيل مؤتمرات وأسفار وإلى عدم استقبال وفود أو زوّار.غني عن القول أنّ هذا الإيقاف المؤقت للفعاليات لم يؤثّر على متانة العلاقات مع أصدقائنا من الأديان الأخرى، بدءا بالمسلمين، وننتظر جميعًا نهاية الأزمة وعودة الأمور إلى طبيعتها بأسرع وقت.