الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-04-21

المداومة على الطاعات بعد رمضان

بقلم الدكتور محمد زين الدين عبد المؤمن – غانا

 

مقدمة

ما أسرع ما تمضي بنا الأيام والسنون! وإن في سرعة انقضائها لعبرةً للمؤمنين. رمضان، بالأمس القريب استقبلناه، وما أسرع ما ودعناه! صفحات الأيام تطوى، وساعات العمر تنقضي، فعلى العاقل اللبيب أن يتفكرَ في حاله ومآله. فالدنيا ظل زائل، وأيام قلائل، وإن المؤمن لا يهدَأ قلبُه، ولا يسكُن بالُه، حتى يضعَ قدمه في الجنة (سامي الحمود).

 

 لقد جعل الله تعالى شهر رمضان المبارك بمثابة دورة تدريبية مليئة بأنواع من العبادات، وكل هذه العبادات الجليلة والإحسان المتواصل والأخلاق الحميدة، جنسها موجود طول العام، والحاجة داعية إليها في حق الخاص والعام، وإنما رمضان بمثابة دورة مكثفة تمارس فيها تلك الأعمال والأخلاق؛ لتزداد رسوخًا في النفوس وتصلح بها القلوب وتنتفع بها المجتمعات وتعظم بها الأجور لوقوعها في زمن فاضل يضاعف فيه العمل والثواب (عبد الله القصير).

 

العبادة في رمضان عند قوم غاية

هناك صنف من الناس ليس لديهم الرغبة في مواصلة العمل أصلا بعد رمضان. إنهم مستعدون فقط للعمل في رمضان. يصوم أحدهم رمضان كاملًا وليس لديه رغبة أن يصوم بعده ولا يومًا واحدًا، يقوم ليالي رمضان ولا يفكر في أن يقوم غيرها ولو ليلة واحدة بركعات يسيرة، يختم القرآن أكثر من مرة في رمضان ولا يخطط أن يتلو ولو شيئًا يسيرًا من القرآن كل يوم، همه ابتغاء الأجر في رمضان فقط، ونتيجة ذلك أنه يترك ما كان يعمله بعد رمضان، وإن كان تحصيل الأجر مراداً في العبادات ويثاب عليه العامل، لكن ليس المراد الأسمى من فرض رمضان أن تتخذ الطاعات غاية، بل هي وسيلة لتحقيق التقوى كما وردت في آية فرض الصوم (لعلكم تتقون).

 

 فالتقوى هي الأثر الأعظم من آثآر الصيام والقيام وبقية الأعمال الصالحة والتي تمتد آثارها بعد رمضان فأصبح رمضان بذلك مدرسة يتمرن فيه المسلم على العبادات فيرتفع إيمانه وتزكو نفسه وتعلو همته فيقبل على ربه في رمضان ويستمر بعد رمضان في انشراح صدر واستعداد للعمل.

 

جهد مبذول ومنهج خاطئ

وصنف آخر يوجد لديهم الرغبة في مواصلة العمل، لكنهم يتخبطون بعد رمضان، ثم ينقطعون، والسبب في ذلك عدم معرفتهم الطريقة الصحيحة للمحافظة على استمرار العمل بعد رمضان، فترى أحدهم يريد أن يواصل العمل الذي كان يعمله في رمضان بنفس الجهد والوقت، فيأخذه الحماس ويبدأ العمل بعد رمضان، ثم لا يلبث أن يذهب عنه ما كان يعهده في رمضان من معينات، فيقع في حيرة وملل لأن العمل كبير، والجهد يضعف شيئاً فشيئاً مع الوقت، فيذهب عنه الحماس وينقطع، والحل حدد وهو في رمضان نوعين أو ثلاثة من الأعمال التي يحب أن يواظب عليها بعد رمضان، ثم يستعين بالله ويجاهد نفسه على تحملها.


خطوات عملية للمحافظة على العمل الصالح

إن من علامة قبول الحسنة، الحسنة بعدها، فإذا عملت حسنةً بعد حسنة فهذا دليل على القبول، وأما من عمل سيئة بعد حسنة فهذا دليل على رد الحسنة وعدم قبولها، لا يطالب أحد أن يستمر على المستوى الذي كان عليه في رمضان، لكن ينبغي على الأقل أن يكون أفضل مما كان قبل رمضان، ومما يعين على المداومة على الطاعات ما ذكره خالد الدغيري في الخطوات التالية:

أولًا: طلب الإعانة من الله بكثرة الدعاء، ومما ورد من الأدعية المأثورة: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" (أبو داود).

ثانيًا: أن يكون العمل قليلًا، ففي حديث عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله ﷺ: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (البخاري).

ثالثًا: الورد اليومي. ويعني هذا أن يكون عمل يتكرر يوميًا، تلزم به نفسك مهما كانت الظروف، وهذا يجعلك عندما تتأقلم به تأتي بالعمل بنفس منشرحة.

رابعًا: تحديد الزمان والمكان، فمثلًا، يحدد الإنسان لنفسه وردًا يوميًا في القرآن، ويداوم عليه في وقت محدد في اليوم، وفي مكان محدد، يقرأ حزبًا في القرآن ابتداءً من وقت كذا، ويستمر لوقت كذا في المكان الفلاني.

خامسًا: الربط، بحيث يربط الورد اليومي بعمل آخر، يربط الورد القرآني بصلاة مفروضة في المسجد، ويجب أن يحرص على أن يكون الوقت من الأوقات التي لا ينشغل فيها عادة، وهذا الربط بدوره يعينه على ملازمة تلك الصلاة مع الجماعة.