الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2023-04-21

 

           الدبلوماسية في الإسلام

 

بقلم الدكتور - يحي شريفي

 

 

تعتبر العلاقات الدولية والدبلوماسية من أبرز وأقدم المعاملات التي رافقت الحضارات البشرية، فقد شكل حضورها السمة المميزة في نسج العلاقات بين الأفراد و الأسر أو القبائل أو الدول، مما نجم عنه نشوء تقاليد و أعراف و معاهدات تحظى بالقبول الجماعي، لكونها تصب في مصلحة الجماعات البشرية، وتعزيز سبل التعاون بينها وحل نزاعاتها.

 

وإذا اعتبرنا الدبلوماسية هي فن التوفيق بين المصالح المتعارضة، وفن الحصول على الممكن بدل انتظار المستحيل، فإننا نستعير أقدم التعريفات الدبلوماسية، وهي مقولة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عندما قال "لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبدا، إذا أرخوا شددت، وإذا شدوا أرخيت".

 

وفي الإسلام بدأ تاريخ الدبلوماسية مع بداية الدعوة النبوية، وقد أولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده أهمية بالغة للنشاط الدبلوماسي، وذلك من خلال اختيار السفراء وإرسال البعثات و استقبال الوفود، وتبادل المصالح مع الدول المحيطة.

 

 ولأن رسالة الإسلام تهدف إلى بناء مجتمعات انسانية متماسكة، فقد سن على صلة الرحم وحسن الجوار والالتزام بالمواثيق والعهود، والتعاون بين الأمم و تبادل المنافع، و كلها تمثل اليوم أبرز و أهم المعالم التي تحكم و تسن الأعراف الدبلوماسية الدولية.

 

 وقد كانت القبائل تختار أفضل رجالها للقيام بالتفاوض مع الآخرين، كان من أمثلة هذه السفارات في عصر الجاهلية، سفارة عبد المطلب بن هاشم إلى ابرهة للمفاوضة من أجل استرداد الإبل التي استولى عليها جيش الحبشة، و مع مجيء الإسلام، سعى رسول الله صلى آلله عليه السلام بجهود حثيثة لبدء العلاقات الخارجية مع الدول المجاورة للمدينة المنورة، فأرسل عديد الرسائل إلى ملوك وأمراء هذه الدول، كما أنه استقبل وفودا عديدة من شتى ربوع الجزيرة العربية، وعقد هدنة مع عدة قبائل عربية ويهودية، تمهيدا لتطوير النفوذ في المنطقة وما حولها.

 

 وكانت من أهم المواصفات التي يجب ان تتوفر في المبعوث، أن يكون عالما بالشريعة، واسع الاطلاع والثقافة، مع رجاحة العقل وحسن التصرف والذكاء، وفصاحة اللسان وحسن الإقناع، وهذا ما اتضح في أول سفارة في الإسلام، وهي سفارة النجاشي، التي بعث فيها جعفر بن أبي طالب ومن معه من المؤمنين السابقين دخولا في الإسلام، وأبانت هذه السفارة على حكمة ودهاء النبي صلى الله عليه وسلم، من حيث قيادة البعثة و تمرس المفاوضين فيها ورقي خطابهم الديبلوماسي، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام، ما كان ليخاطر بثلثي الجماعة المسلمة يومئذ إلى دار غربة وراء البحر، دون أن يكون تلقى ضمان الجوار والحماية قبل ذلك من السلطان الحبشي، وهو نفس الأمر الذي فعله، صلى الله عليه وسلّم حين هم بالهجرة إلى المدينة، حيث أخذ عهدا من الأوس والخزرج أن يحموه ويحموا أصحابه، مما يحمون به أنفسهم وأهلهم.

 

 

ولعل من أبرز معالم الدبلوماسية في عهد النبوة، صلح الحديبية، والمناقشات التي دارت خلال هذه المفاوضات تمثل نموذجا رائعا لأسلوب التفاوض، و آلية من آليات اكتساب مزيدا من المساحة الممكنة مقابل تقديم تنازلات ظرفية. 

 

وتجسدت الدبلوماسية الإسلامية أكثر عن طريق المكاتبة وإرسال الرسل ومعهم رسائل النبي عليه الصلاة والسلام إلى القادة والأمراء والملوك خارج المدينة المنورة وفي شبه الجزيرة العربية والدول المجاورة، و حتى إلى الإمبراطوريتين الكبيرتين، الروم و الفرس آنذاك، دعوة لهم إلى رسالة الإسلام، ولم تكن هذه العلاقات في مجملها لغرض مادي دنيوي كما ألفته الحضارات السابقة في علاقاتها الخارجية مع غيرها، بل كانت هذه العلاقات ذات غرض أسمى، وغاية مثلى، تمثلت في نشر وتبليغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة. 

 

لقد كانت الدبلوماسية وسيلة من أجل نشر تعاليم الإسلام، وأداة لتنظيم العلاقات الدولية وعقد المعاهدات مع دول وممالك الأرض،  وكانت الغاية التي يستشرفها الإسلام، من خلال تعاليمه السمحة هي الأمن والسلام العالمي، ونشر الإخاء والإحترام، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة في سورة الأنبياء" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" الآية (107) سورة الأنبياء.

 

وفي ظل البيئة العالمية الراهنة، حيث تتعالى أصوات التعصب الديني والاسلاموفوبيا، يبرز دور الدبلوماسية الإسلامية الملتزمة، من خلال منهجها الوسطي في بعث الأعراف والقيم الدبلوماسية التي يحفل بها المنهج القرآني والسنة النبوية، وعلى الدعاة أن يلعبوا دورا رائدا في مجتمعاتهم في تصحيح مواقف الذين يناهضون الاسلام و يناصبونه العداء دون فهم.

 

إن توفر هذه المعارف أصبح اليوم أكثر ضرورة عند الدعاة، لشرح قيم الإسلام لمواجهة الحملات التي يقوم بها إعلام يعادي الإسلام، وتحركه ماكينات معروفة بحقدها على الإسلام، ولقد جاء الخطاب القرآني عالميا وانسانيا، وسيبقى كذلك إلى آخر الدهر، ونادى الناس بصيغة يا بني أدم ويا أيها الناس، وهي الصيغة التي أعلنها النبي الكريم في آخر أيام الرسالة في حجة الوداع «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب» .