الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية

صفة إستشارية لدى الأمم المتحدة
إطلاق تجريبي
2024-04-09

  الأصل في الرسالة المحمدية الدعوة إلى الاعتصام والوحدة والإخاء

-         أعداء الإسلام يغذون مشاعر التفرقة بالتركيز على رواسب الماضي من اختلافات ونزاعات بين المسلمين

-         المسلمين حققوا إنجازات عظيمة عندما كانوا موحدين وانكسروا عندما اختلفوا

 

أكد العلامة السيد محمد علي الحسيني، سعودي الجنسية، الأمين العام الحالي للمجلس الإسلامي العربي، عضو مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي، وخبير فقهي بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومستشار في رابطة العالم الإسلامي، أن أعداء الإسلام يغذون مشاعر التفرقة بالتركيز على رواسب الماضي من تباينات واختلافات ونزاعات بين المسلمين .

وأوضح في حوار له مع مجلة " لتعارفوا" خلال حضوره مؤتمر " بناء جسور التقارب بين المذاهب الإسلامية" الذي عقد بمكة المكرمة، أن المسلمين حققوا إنجازات عظيمة عندما كانوا موحدين وانكسروا واندثروا عندما اختلفوا وتقاتلوا، وأن وكل خطابات التفرقة والتنابذ المذهبي لا تمت إلى جوهر الديني بصلة، بل هي في الغالب بدع ونظريات تتناول القشور وتتعارض مع قيم ومبادئ شريعتنا الإسلامية الغراء.

يُعدّ السيد محمد علي الحسيني من العلماء والمفكرين البارزين في العالم العربي والإسلامي الذين يحظون بالاحترام والتقدير لنشاطاته العلمية، وجهوده الفكرية الداعية إلى نهج الوسطية والاعتدال وتعزيز قيم التسامح ونشر ثقافة السلام وسلوك سبل الحوار والقبول بالآخر، والانفتاح على الإنسان بنشاط سلمي إنساني فاعل في الدول الإسلامية والأوروبية، فكانت رسالته لنيل شهادة الدكتوراه في هذا الإطار، كما نال الدرجة العالية في شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي .

يسعى سماحته لبناء الأرضية العامة لآرائه ومواقفه وفق رؤية جامعة تستند إلى استيعاب دقيق لمختلف الأديان والمذاهب والثقافات، ساعيا من خلال ذلك إلى إيجاد محاور ومرتکزات التحاور والتقارب ومد الجسور ، ليس فقط بين أتباع الأديان والمذاهب، بل الإنسانية قاطبة من أجل نشر ثقافة السلام وسيادة مبدأ التسامح والتعددية وقبول الآخر والتآخي الإنساني، كاتب ومحاضر ومفكر إسلامي له وزنه وثقله وتأثيره على الساحة الإسلامية والأوروبية والإفريقية، يحظى بالاحترام والتقدير لدى كافة الأوساط الفكرية والأكاديمية والمؤسسات الدينية، خصوصا التي تُعنى بالحوار والتعارف والتفاعل بين الحضارات، يتميز بمواقفه الفكرية الوسطية المنفتحة ونهجه المعتدل المتسامح.

 

أجري الحوار – الشيخ مهاجري زيان

 

في البداية نود أن يطلع القارئ علي نبذة مختصرة عنكم ؟

العلامة السيد محمد علي الحسيني، سعودي الجنسية، الأمين العام الحالي للمجلس الإسلامي العربي، عضو مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي، وخبير فقهي بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومستشار في رابطة العالم الإسلامي، شاركت في عدة مؤتمرات وفعاليات ولقاءات وملتقيات فكرية وفقهية وحقوقية واجتماعية في الدول الإسلامية والأوروبية والإفريقية، وكان لي الحضور العلمي المميز فيها، وأبرزها المشاركة المميزة في إعلان مؤتمر وثيقة الأخوة الإنسانية بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وكذلك حضور (حلف الفضول) بمنتدى أبوظبي للسلم، كذا في إعلان مؤتمر وثيقة مكة المكرمة ووثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية مع رابطة العالم الإسلامي. كما شاركت في إعلان رسالة سراييفو للسلام، فضلا عن المشاركات المتعددة في جلسات حوارية فكرية ودينية في الاتحاد الأوروبي ببروكسل وفي الأمم المتحدة في جنيف.

لدى أكثر من سبعين كتابا في المواضيع الفكرية والفقهية والأخلاقية والتاريخية وأصول الفقه، وكذلك سلسلة معارف المسلم التي تضم كل المعارف العلمية التي يحتاج المسلم إلى معرفتها، وجميع المؤلفات مطبوعة، والبعض منها مترجم إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية.

بالنظر إلى متانة صف الأعداء الحقيقيين، يستمر المسلمون في تشتت مشحونون برواسب الماضي، لماذا الانجرار وراء التفرقة؟

 بداية، إن الأصل في الرسالة المحمدية الدعوة إلى الاعتصام والوحدة والإخاء، وأكد على ذلك القرآن الكريم: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا} وقوله: {إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}، ثم التأكيد على الأخوة والإصلاح {إنما المؤمنون أخوة فاصلحوا بين أخويكم}. فالأصل إذًا الوحدة والاعتصام والأخوة، فهذه القاعدة الإسلامية التي نركز عليها ونركن إليها وننطلق منها، ومن ثَمَّ نقول :

هناك سببان رئيسيان لهذه التفرقة: السبب الأول: إن أعداء الإسلام والأمة بالداخل والخارج، ولأجل أغراض مبيَّتة وخبيثة، يغذون مشاعر التباغض والتفرقة بالتركيز على رواسب الماضي من تباينات واختلافات ونزاعات بين المسلمين ذات بُعْدٍ سياسي في الأصل، واعتبارها هي التاريخ الإسلامي الحقيقي، وهذا غير صحيح، فتاريخنا يثبت أن المسلمين حققوا إنجازات عظيمة عندما كانوا موحدين، وانكسروا واندثروا عندما اختلفوا وتقاتلوا.

السبب الثاني: إن البعض في أمتنا الإسلامية يستجيب لدعاية الأعداء لأنها تناسب مشروعه لأسباب سياسية بحتة تتعلق بالنفوذ والسيطرة والتحكم، وكل خطابات التفرقة والتنابذ المذهبي لا تمت إلى جوهر الديني بصلة، بل هي في الغالب بدع ونظريات تتناول القشور وتتعارض مع قيم ومبادئ شريعتنا الإسلامية الغراء، فضلا عن الجهل والتعصب والتطرف الذي أوصل أمتنا إلى هاوية الفتنة المذهبية.

 

مخابر العالم ومنابره المظلمة تبدع في تغذية فرقتنا وتتفنن في توظيف تبددنا فجعلت من أمتنا طوائف وفرقا، متى ينهض فينا ضمير الحق وشعور الوعي؟ حتى لا أقول عهد حلول الفهم الديني الصحيح؟

 لا شك أن التحديات التي تواجهها أمتنا الإسلامية يجب أن تكون جرس الإنذار لصحوة ضمير الحق والشعور الفعلي بالوعي الفكري الإسلامي الذي لو تحقق لأجهض كل المشاريع الظلامية التي تفرقنا وتشتتنا.

هذه التحديات وأهمها الطائفية المقيتة هي من الخطورة بمكان بحيث إنها باتت تهدد وجودنا كأمة واحدة ومتحضرة بين الأمم، ولا نتحدث هنا عن دولة إسلامية بعينها، فكل العالم الإسلامي سيواجه التهميش والعزل والإضعاف إذا لم يشهد صحوة دينية ووعيا فكريا عميقا وسريعا يتناسب مع ما لدينا من إمكانات وثروات مادية وقوة سياسية وعسكرية، كل ذلك من أجل إنقاذ الإسلام أولا، ومن أجل المسلمين ثانيا، وهذا واجب إيماني وتنفيذ لأمر إلهي.

هل الوحدة قائمة وآفاق توحيد الصف الإسلامي موجودة، ما دام هناك سفراء لقيم الوحدة في صورة شخصكم الكريم، هل من سياسة دينية مرصودة لهذا المسعى؟

 تاريخنا يشهد أننا كرسنا حياتنا من أجل قضية مد الجسور بين المذاهب الإسلامية، وقد عملنا لعقود على بناء مقومات التفاهم والتعاون بين المذاهب، وبناء الجسور في ما بينها، باعتبار أن ذلك يشكل تنوعا إيمانيا في دين واحد، وهي مدارس فقهية إسلامية لاستنباط الأحكام الشرعية وتنوير الطريق للمسلمين، وليست بأية حال من الأحوال أحزابا وحركات للتنازع والتقاتل.

أما سياستنا المرصودة في هذا السبيل، فهي احترام وتطبيق مجموعة من المبادىء، أبرزها عدم جواز التصنيف والإقصاء بإلغاء الآخر عبر تكفيره مثلا، والعمل جديا لإقامة التواصل والحوار مع كل من نختلف معه من المسلمين، والتركيز على المشتركات، وهي كثيرة، وتفعيلها، ومقاربة كل القضايا التي قد تعتبر خلافية، بعقل منفتح وبالاستناد إلى نصوص صريحة، فلدينا القرآن الكريم والسنة النبوية، وكل ما كتبه السابقون مما يبدد المزاعم عن خلافات أصلية بين المسلمين، وهي في الحقيقة اختلافات طرفية ومكانية لا تمس جوهر الإسلام.

أكيد أن مؤتمر مكة المكرمة في السعودية يدخل في هذا الإطار، لو تفضلتم تزويدنا بأهمية هذه المؤتمرات واللقاءات في المساهمة في تمتين الصف؟

لقد شاركنا في الكثير من المؤتمرات والمنتديات الإسلامية العاملة على توحيد رؤى المذاهب الإسلامية والتقريب بينها، وقد جاء مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة كتتويج لها، مع الجهد العظيم الذي تبذله المملكة في سبيل وحدة المسلمين، هذه المؤتمرات، إذ تجمع العلماء والمفكرين والمثقفين والنخب الإسلامية، تشكل مناسبة عظيمة للحوار والنقاش، وتبديد كل الالتباسات الفقهية والفكرية، وفصل الديني عن السياسي، لأن المقاصد السياسية الخبيثة هي التي تحدث الفرقة والخلاف، وتؤدي إلى النزاع، وبعد الحوار وتصفية النفوس وإبداء النوايا الحسنة، كما أمرنا الله (عز وجل)، يتبين للجميع أن الاتفاق على وثيقة إسلامية جامعة بهذه الأهمية هو أمر سهل ويسير، وأن جل ما تحتاجه الأمة هو القرار الحازم بالقضاء على كل أسباب الفرقة بالاستناد إلى وثيقة مكة المكرمة، فهي مرجعيتنا وسراجنا المنير.

لا شك أن لكم دورا في إقناع عديد من الشخصيات الشيعية للمشاركة في المؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، كما كان لكم دور في  اختيار هذه الشخصيات، هل من قواسم مشتركة بينكم شيخنا الفاضل وبين الشخصيات الحاضرة؟ وهل يمكن القول أن المرجعية الشيعية بصدد تبني خط الوصال؟

إن كل الشخصيات الشيعية التي اخترناها والتي شاركت في المؤتمر تجتمع على رؤية واحدة، وهي أن المذهب الجعفري هو مذهب إسلامي أولا وأخيرا، وهو مصداق للتنوع الإيماني في المذاهب الإسلامية، وجميع المشاركين من الشيعة يؤمنون بالقيمة الإسلامية لحركة التعاون بين المذاهب، واعتبارها الطريق العقلاني القويم للوصول إلى الأخوة بين المسلمين في تركيزها على تحويل المذهبية الطائفية المتوترة وأفكارها الضيقة إلى مذهبية فكرية واعية تنفتح على الفكر الآخر في المذهب الآخر، ليقف أصحاب المذاهب المتنوعة على مكونات مذاهبهم، فيجدون أن ما يجمعهم مع المذاهب الأخرى أكبر وأعمق وأهم بكثير مما يفرقهم.

 مرجعيتك الشيعية لم تكن أبدا مانعا لبزوغ قدرك وتأثيرك على مستوى رابطة العالم الإسلامي، وفي هذا القبول قرينة قوية على أن أمل رص الصف الديني أصيل في عقيدة محمد، ألم يحن الوقت بعد لاستثمار علو مقامك لدى السنة في التأسيس لوضع جامع يرفض كل أشكال الطائفية والمذهبية؟

نعم، فوجودي في رابطة العالم الإسلامي هو تأكيد على أن الرابطة تجمع كل المسلمين من كل المذاهب الإسلامية، وأن قضية التعاون والتقارب بين المذاهب الإسلامية ليست مجرد نظرية أو ترف فكري، إنما هي واقع يتجسد في ما تقوم به الرابطة من جهود جليلة لنشر الإسلام عالميا والذود عن قيمه الحقيقية، وكذلك جهود بناء الجسور بين المذاهب، وفي الحالتين، فهي تعمل على مكافحة التزوير والأضاليل التي لحقت بديننا الحنيف في مجاورته لأتباع الديانات الأخرى، أو لما لحق به من استغلال سياسي تحريضي بين المسلمين أنفسهم، واليوم أضع نفسي أكثر من أي وقت مضى في خدمة أهداف الرابطة، وأنا جزء منها في سعيها لمد جسور التواصل بين المذاهب، وأعتبر نفسي أحد هذه الجسور لما تربطني من علاقات فكرية وثيقة مع  علماء ومفكرين من السنة والشيعة على حد سواء.

البعض يرى أن العدوان على غزة هو نتيجة لتشتت الصف الإسلامي، كيف  يمكن المساهمة في وقف إبادة ممهنجة تستهدف جزءا أصيلا من أمتنا؟

الطريق الوحيد لحل المشكلة في غزة وغيرها هو في وحدة الصف الإسلامي على قلب رجل واحد، سلما أو حربا، فكل جزء من الأمة الإسلامية هو جزء عزيز، يصح فيها قول رسول الله (ص ): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، لقد اتفق العرب على مبادرة السلام العربية وأيدتهم الأمة الإسلامية كلها، وهذا هو السبيل لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط.

أختتم مؤتمر مد جسور التقارب بإصدار وثيقة نهائية وجملة توصيات، بودنا الإفصاح عن فحوى الوثيقة وطبيعة توصيات المؤتمر؟

خرج مؤتمر مكة المكرمة بوثيقة مهمة لبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، شملت 28 بندا ركزت في مجملها على التسامح والاجتماع بين المذاهب كافة، وتعهد الحضور بالوفاء بمضامين هذه الوثيقة، والعمل على ترسيخها في مجامعهم العلمية، ومجتمعاتهم الوطنية.

والجديد في هذا الإطار تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ البنود باسم (اللجنة التنسيقية بين المذاهب الإسلامية)، وتقترح الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي نظامَها ورئاستها وأعضاءها وأمانتها بالتشاور مع كبار الشخصيات الإسلامية من مختلف المذاهب.

أما المبادىء التي تم تكريسها في البنود فأهمها أن رسالة الإسلام ربانيةٌ توحيدية، مصدرُها الأساسي الوحي، وهي رسالة خاتِمة لا زيادة عليها ولا نقصان فيها، وأن تعدُّد المذاهب والرؤى بين المسلمين، يُحْسَب في جملة السنن الكونية القَدَريَّة التي قضت بحتمية الاختلاف والتنوع لحكمةٍ أرادها الخالق (جل وعلا)، ولكن الوحدة الدينية والثقافية للمسلمين واجبٌ ديني متأصل في وجدان الشعوب المسلمة، ومشروع تحقيقها هو ميدان التنافس بين المكونات المسلمة، ويستوجب تعزيز المشترك الإسلامي الذي يؤسس لتلك الوحدة في عنوانها العريض وقضاياها الكبرى.

وتحذر الوثيقة من الخطاب الطائفي والمذهبي، ومن الفتن وتفادي أسبابها، والتصدي للمحرّضين عليها والمروِّجين لها، والتنديد بإثارتها بين أبناء الوطن الواحد، وفي المجتمع الإسلامي عامة من خلال العبارات والشعارات والممارسات الطائفية التي تَستهدف النيل من الأخوّة الإسلامية التي تحفظ لهذه الأمة أمنها ووحدتها.